mercredi 2 mars 2016

بحث عن غسيل وتبييض الاموال وتمويل الارهاب

بحث عن غسيل وتبييض الاموال وتمويل الارهاب بحث عن غسيل وتبييض الاموال وتمويل الارهاب



مقدمة:
المبحث الأول: مفاهيم حول ظاهرة غسيل الأموال.
المطلب الأول: تعريف ظاهرة غسيل الأموال.
المطلب الثاني: خصائص ظاهرة غسيل الأموال.
المطلب الثالث: أركان ظاهرة غسيل الأموال.
المبحث الثاني: آليات ظاهرة غسيل الأموال.
المطلب الأول: أسباب ظاهرة غسيل الأموال.
المطلب الثاني: مراحل ظاهرة غسيل الأموال.
المطلب الثالث: أساليب ظاهرة غسيل الأموال.
المبحث الثالث: آثار ظاهرة غسيل الأموال و طرق مكافحتها.
المطلب الأول: الآثار الاقتصادية لظاهرة غسيل الأموال.
المطلب الثاني: الآثار الغير اقتصادية لظاهرة غسيل الأموال.
المطلب الثالث: طرق مكافحة ظاهرة غسيل الأموال.
المبحث الرابع: ظاهرة غسيل الأموال في الاقتصاد الجزائري.
المطلب الأول: مفهومها.
المطلب الثاني: مكافحتها.
المطلب الثالث: دور البنوك الجزائرية في مكافحتها.
خاتمة.



مقدمة:
تشكل الأموال عصب الاقتصاد، إذ تعتبر عماد الحياة المعاصرة، وأحد مقومات الأنظمة السياسية و الاجتماعية السائد في العالم، وقد تأثرت حياة الأفراد كثيرا بالتطور الاقتصادي خاصة من حيث المواقف و السلوكيات، تتصف بعضها بالمادية المطلقة، فتحقيق الربح و بأي طريقة هو المعتقد السائد لدى بعض الأفراد، حاملين بذلك شعار الغاية تبرر الوسيلة، لإعطاء تفسير و تبرير لما يقومون به من النشاطات الغير شرعية، ونقصد بذلك غسل الأموال القذرة، الظاهرة التي توسعت لتشمل مختلف دول العالم يستعملها حاملي تلك الأموال لإضفاء الشرعية على أموالهم.
ولقد ازداد النشاط الاجرامي لهذه الفئة مع التطور المالي و التقني الذي عرفه العالم، ومن مظاهر ذلك هو استحداث أساليب و تقنيات يتم من خلالها غسل الأموال خاصة مع ظهور ما يسمى بالعولمة المالية.
ولهذا بات من الضروري على مجموع دول العالم تفعيل التكتلات الاقليمية و الدولية في إطار محاربة هذه الظاهرة.
وقد حاولنا في بحثنا هذا فهم هذه الظاهرة و دراستها من جوانبها المختلفة حيث قسمنا هذا البحث إلى أربعة مباحث كالتالي:
أولا: دراسة المفاهيم العامة حول الظاهرة؛
ثانيا: دراسة أسباب و آليات هذه الظاهرة.
ثالثا: دراسة آثار و طرق مكافحة هذه الظاهرة.
رابعا: اسقاط هاته الأمور على الجزائر لمعرفة واقعها و درجة تعرضها لهذه الظاهرة.

المبحث الأول: مفاهيم حول ظاهرة غسيل الأموال:
تُعتبر ظاهرة غسيل الأموال من بين المشاكل التي تصب اقتصاديات الدول وخاصة الدول النامية حيث تُعدُّ صورةً من صور الجرائم الاقتصادية لذا نحاول التطرق إلى تعاريفها وأهم عناصرها.
المطلب الأول: تعريف ظاهرة غسيل الأموال:
أصبح غسيل الأموال من المفاهيم التي أخذت تستحوذ على اهتمام صانعي السياسات الاقتصادية والمالية وبالتحديد القائمين على السياسات النقدية والمصرفية سواء محليا، إقليمية أو عالمية، ورغم ذلك لا يمكن إيجاد تعريفٍ متفقٍ عليه لغسيل الأموال([1])؛ بسبب تعدُّد مصادر الأموال غير المشروعة، وتنوُّع طرق ووسائل الغسيل، وتبايُن وجهات النظر حول المصادر التي يجب أن تكون هدف التجريم في إطار المكافحة.
وانقسمت التشريعات والآراء الفقهية في تعريف غسيل الأموال إلى قسمين: ضيق، وواسع.
التعريف الضيق: هي الأموال غير المشروعة الناتجة عن تجارة المخدرات والمؤثرات العقلية. ومن بين التشريعات الفقهية اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية المنعقدة في فيينا ديسمبر 1988 والتوصية الصادرة عن مجلس المجموعة الأوروبية عام 1991([2]).
التعريف الواسع: يشمل جميع الأموال القذرة عن جميع الجرائم والأعمال وليس فقط تلك الناتجة عن تجارة المخدرات والمؤثرات العقلية. ومن التشريعات والآراء الفقهية التي اعتمدت التعريف الواسع لغسيل الأموال القانون الأمريكي عام 1986 الذي اعتبر غسيل الأموال هو كل عمل يهدف إلى إخفاء طبيعة أو مصدر الأموال الناتجة عن النشاطات الجرمية([3]).
ومن بين التعاريف: « يُعرَّف غسيل الأموال بأنه عمليةٌ يلجأُ إليها من يعمل بتجارة المخدرات والجريمة المنظمة أو غير
المنظمة؛ لإخفاء المصدر الحقيقي للدخل غير المشروع، والقيام بأعمالٍ أخرى للتمويه؛ كي يتمَّ إضفاء الشرعية على الدخل الذي يُحقَّق »([4]).
أو بصفة مختصرة « عملية من شأنها إخفاء المصدر غير المشروع الذي جاءت منه الأموال ». كما تعرف: « مجموع العمليات المتداخلة لإخفاء المصدر غير المشروع للأموال وإظهارها في صورة أموال متحصَّلة من مصدرٍ مشروع، أو إخفاء وتمويه الطبيعة الحقيقية للأموال المكتسَبة من الأنشطة المحظورة أو مصدرها أو ملكيتها في محاولةٍ لتغيير صورة الأموال غير المشروعة، لتكون أموالاً تبدو في صورةٍ مشروعة »([5]). « إنها العمليات التي يتمُّ بمقتضاها إيجاد أي سبيلٍ لإخفاء مصدر الأموال المحصَّلة من أعمال غير مشروعة ويجرمها القانون، ومحاولة اضفاء طابع المشروعية على تلك الأموال واستخدامها فيما يطلق عليه الاقتصاد الرسمي أو الظاهر بل يمكن استخدامها في تمويل تجاري غير مشروع » ([6])
« الغسيل هو مجموعةٌ من المراحل العملية والمراحل التنفيذية المتتابعة التي تقوم بها عصابات الجريمة المنظمة لإضفاء المشروعية على مالٍ غير مشروع لإيجاد مصدرٍ يبدو مشروعاً له، ويتمُّ ذلك عبر وسائل مختلفة وأدواتٍ معينة من أجل غسل الأموال القذرة لعصابات الجريمة التي اكتسبها من ممارسة الجرائم السابقة على عملية الغسيل ومن ثم نحتاج إلى غسله وإدخال هذا المال في قنوات بنكية وغير بنكية لإبعاد شبهة الجريمة عنه وإظهاره على أنه مال شريف طاهر»[7]
وفي إطار أنها جريمةٌ بيضاء فتُعرَّف جريمة غسيل الأموال: « على أنها جريمةٌ دولية منظمة، يقوم بمقتضاها أحد الأشخاص بإجراء سلسلةٍ من العمليات المالية المتلاحِقة على أموالٍ غير مشروعة تنتُج عن أنشطةٍ غير مشروعة، يُعاقب عليها تشريع الدولة هذا الشخص مستعينا بوسطاء كواجهة للتعامل مُستغلاً مناخ الفساد الإداري وسرية حسابات البنوك؛ بهدف تأمين حصيلة أموالها القذرة من المُلاحَقة الرقابية والأمنية»[8]
كما يُطلَق عليها بأنها الجريمة ذات الطبيعة الخاصة، وإذا كانت تبدو بسيطةً في مفهومة العام، إلا أنها مركبةٌ ومعقدة في جوانبها الخاصة؛ فهي جريمةٌ تقوم وتنشأ على صناعة واقع مُزيَّف واصطناعي، يبدو وكأنَّه حقيقي فعلي، أي خلق وإيجاد واقعٍ علني كاذب، يبدو طاهراً وشريفاً، ويُخفي وراءه اصطناع الحقيقة غير حقيقية تتوارى خلفها أشياءٌ وتصرُّفاتٌ كامنة خفية غير شريفة[9].
من خلال التعاريف السابقة، يمكننا إعطاء التعريف الشامل لظاهرة غسيل الأموال: هي جريمةٌ ذات بُعدٍ دولي. نشأت وترعرعت في الجنات الضريبية[10] ، وأهم الأمكنة التي تُناسب القيام بعميلة الغسيل البنوك نظرا لما تتمتع به من حرص دائم على السرية المصرفية فيما يخص الودائع التي تدخل خزانتها ورفضها لتقديم كشف حساب أو إظهار رقم رصيد المتعاملين معها هذا بدوره يشجع عصابات الجريمة وتستمد مصادرها من خلال أنشطة غير مشروعة كالمخدرات الإرهاب الرشوة تهريب السلاح، الرقيق الأبيض، الفساد السياسي وغيرها من المصادر. يشمل أصحابها بطرق ملتوية ومتعددة ومعقدة على غسيلها وإبعاد كافة الشكوك عنها لتبدو في الأخير مشروعة المصدر ثم تدخل في الدورة الاقتصادية على شكل مشاريع كالمطاعم الفاخرة ومحال بيع الملابس والمجوهرات... إلخ. هدفها الوحيد قطع الصلة نهائيا مع المصدر الحقيقي لها دون اعتبار لما تخلفه من أثار اقتصادية وغير اقتصادية.
كما أن لجريمة غسيل الأموال ثلاثة عناصر رئيسية وهي مبينة فيما يلي:
الغاسل
الغسول
المغسول
هو الشخص أو المؤسسة التي تحوز و تملك أموالا غير مشروعة و تسعى إلى غسلها.
هو المؤسسة أو البنك الذي يقوم بالإجراءات المخالفة للقانون و يلحق بهم فئات السماسرة و العملاء ة الوسطاء و المساعدون
هو عبارة عن الأموال و المتحصلات و غيرها.
المصدر: المؤسسة العربية لضمان الاستثمار غسيل الأموال آثار وضوابط مكافحته، سلسلة الخلاصات المركزة، السنة الثالثة، إصدار 5، 2000، ص 1.

المطلب الثاني: خصائص عمليات غسيل الأموال:
توجد العديد من الخصائص التي تميز عمليات غسيل الأموال عن غيرها من الأنشطة المالية الأخرى، فمنها الاقتصادية و الاجتماعية و كذا المصرفية و التي تؤثر على طبيعة تحركاتها و أهدافها، ومن أهم هذه الخصائص نذكر ما يلي[11]:
1. إن عمليات غسيل الأموال تعد أنشطة مكملة لأنشطة رئيسية سابقة أسفرت عن تحصيل كمية من الأموال غير المشروعة غالبا، أي الأموال القذرة الناتجة عن أنشطة الاقتصاد الخفي، التي تمثل ما بين 30 إلى 50 % من هذا الاقتصاد الخفي الذي يوجد في معظم دول العالم بنسب مختلفة.
2. تتسم عمليات غسيل الأموال بسرعة الانتشار الجغرافي.
3. تتواكب عمليات غسيل الأموال مع الثورة التكنولوجية و المعلوماتية، حيت تشهد تلك العمليات تطورا كبيرا في تكتيكها، و كذا بالتطور في وسائل التكنولوجية التي تستخدم في نقل الأموال و تحويلها عبر الحدود.
4. ترتبط عمليات غسيل الأموال بعلاقة طردية بعمليات التحرير الاقتصادي و المالي.
5. إن عمليات غسيل الأموال تتم من خلال خبراء متخصصين على علم تام بقواعد الرقابة و الإشراف في الدول و ما يوجد بها من ثغرات يمكن النفاذ منها، و على علم بفرص و مجالات الاستثمار و التوظيف و الأصول التي توفر الأمان لهذه الأموال.
6. عملية غسيل الأموال تساعد على زيارة معدل الجريمة المنظمة محليا و دوليا.
7. ظاهرة غسيل الأموال تعود بالفائدة على الدولة المستقبلة للأموال المهربة، قصد تبييضها و تقنينها و إعادة صفها من جديد في الاقتصاد الوطني.
8. يمكن اعتبار المصرف مجرد مستودع للأموال القذرة، بل قد يصل الأمر إلى قيام المصرف باستثمار هذه الأموال في شتى المجالات و تمويل العديد من الأنشطة.
9. عملية غسيل الأموال عملية مصرفية لما للمصارف من دور استراتيجي في هذه العمليات، حيث تتكاثر عمليات غسيل الأموال في المؤسسات المالية و المصرفية لما لها من جو الكتمان و السرية المفروضة عليها بينها و بين متعامليها.
المطلب الثالث: أركان ظاهرة غسيل الأموال:
تتكون جريمة تبيض الأموال كغيرها من الجرائم من ركنين، أحدهما مادي والأخر معنوي ويقصد بالركن المادي ماديات الجريمة أو المظهر الخارجي أما الركن المعنوي: يقصد به الحالة النفسية الواقعة وراء ماديات الجريمة[12].
1-الركن المادي: من المعروف أن الركن المادي هو المظهر الخارجي للجريمة، وبه يتحقق الاعتداء على المصلحة العامة أو الخاصة. و من هنا فإن الركن المادي يعد الشرط الأساسي للبحث في مدى توافر الجريمة من عدمه ويقوم
هذا الركن على عناصر ثلاثة هي السلوك و النتيجة الإجمالية و العلاقة السببية بينهما.
أ. الركن المادي لجريمة غسيل الأموال:
أ.1. فعل الإخفاء و التمويه:يعتبر البعض عن السلوك المكون للركن المادي لجريمة التبييض للأموال بلفظ الإخفاء لمصدر الأموال الغير المشروعة، و هذا يعني الحيلولة دون كشف الحقيقة في أمر الجريمة الأصلية التي تحصل عليها الأموال محل الإخفاء.
ويجب فهم إخفاء على أنه يشمل كل عمل من شأنه منع كشف الحقيقة للمصدر غير المشروع ، و بأي شكل كان ، و بأي وسيلة وساءا كان هذا الإخفاء مستورا أو علنيا، كشراء الشيء المتحصل عن السرقة أو اكتساب الأموال غير المشروعة بطريقة الهبة أو المعارضة أو الإجارة وغير ذلك[13].
أما فعل التمويه فيقصد به اصطناع مصدر مشروع غير حقيقي للأموال غير مشروعة: كإدخال هذه الأموال القذرة في صلب أرباح الناتجة عن إحدى الشركات القانونية، فتظهر هذه الأموال كأنها أرباح مشروعة ناتجة عن النشاط المشروع للشركة القانونية.
أ.2. محـل الإخفاء أو التمويه:يتمثل هذا المحـل في حقيـقة الأموال أو مصدرها أو مكانها أو طريقـة التـصرف فيــها
أو حركاتها أو الحقـوق المتعلـقة بها أو ملكيتها، وذلك وفقا للمادة الثالثة من اتفاقية فينا لعـام 1998. وهذه الأموال غير المشروعة تشمل الأموال المنقولة والغير المنقولة، كالأموال المـادية مـثل المجوهرات والأموال ذات المحتوى المعنوي الذي يتجسد في شكل ظاهري مـادي.
أ. المصدر غير المشروع الأموال المبيضة: إن جريمة تبيض الأموال كما سبق وان ذكرنا هي جريمة تبعية ، تفترض بالضرورة وقوع جريمة سابقة عليها هي التي تحصلت عنها الأموال غير المشروعة ، لذلك يجب أن تكون الأموال محل التبييض و التطهير ذات مصدر غير مشروع .
ب. الشروع في جريمة تبييض الأموال:
من المعروف إن الجريمة لا تقع دفعة واحدة، وإنما لابد من أن تمر بمراحل قبل أن تتم وهــذه المراحل هي[14]:
ب.1. مرحلة التفكير وعقد العزم:تتميز هذه المرحلة بكون الفكرة فيها لا تزال في رأس صاحبها وبالرغم من أن هذه المرحلة هي نقطة الانطلاق الضرورية للمرحلة الثانية ،وهي المرحلة التحضيرية، وإن النية خلالها تشكل نواة الإرادة الجريمة إلا أن التشريع والفقه يجمعان على عدم العقاب عليها ،إذ لا سلطان لأحد عما يدور بجوفه ،فمهما كانت الأفكار السيئة تساور النفس ،فيحتمل أن يعود الإنسان إلى رشده، وأن يعدل عن التصميم على ارتكابها.
ب.2. المرحلة التحضيرية: تعد هذه المرحلة وسط بين التفكير في الجريمة والشروع فيها، وتشمل هذه المرحلة الأعمال التي تجمع فيها الوسائل الكفيلة بتنفيذ الجريمة المراد ارتكابها.
ويذهب غالبية الشـراح إلى القـول بعدم تجريم الأعمال التحضيرية بحجـة إنها فعـالة غامضة مبــهمة.
لا تكشف عن نية إجرامية صريحة أو عزم نهائي على ارتكاب الجريمة ، ومجال القول عنها يكون متسعا أمام الجاني ،غير أن عدم العقاب على العمل التحضيري في الجريمة محل التحضير لا يمنع من أن يعتبر في الجريمة التي كان يزمع ارتكابها وإنما باعتبارها جريمة من نوع خاص ،وهذا القول ينطبق على إخفاء المصدر غير المشروع للأموال .
ب.3. المرحلـة التنفيـذيـة: وفيه لا تحدث المقصودة ،ولكن السلوك الجرمي بدأ بالتنفيذ مما ينطوي على تهديد المصالح المحمية قانونا بخطر الاعتداء عليها ،الأمر الذي يحمل تجريم هذا السلوك الذي وقف عند هذه المرحلة ،إذا فالعناصر العامة المحاولة للجريمة هي عنصر مادي وهو البدء بتنفيذ الجريمة.
ج. الاشتراك في جريمة تبييض الأموال:
الشريك هو من ساهم مع غيره في تنفيذ الجريمة، و المحرض هو كل حمل غيره أو حامل حمله على ارتكاب الجريمة، أما المتدخل فهو من يساعد على وقوع الجريمة بعمل لا يصل إلى ركنها المادي أو أعمالها التنفيذية أو الرئيسية، ويرتكز الاشتراك الجرمي في هذه الحالات على (الشريك المحرض المتدخل) علي الاشتراك أو التحريض أو التدخل في إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للأموال الناتجة الأعمال غير المشروعة.
2- الركن المعنوي: الركن المعنوي هو الحالة النفسية الكامنة وراء ماديات الجريمة، فلا يمكن أن يحكم على احد بعقوبة ما لم يكن قد أقدم علي الفعل عن وعي و عن إرادة فالركن المعنوي يتحقق بموقف الإرادة من الفعل المادي، هذا الموقف الذي يتخذ إحدى هاتين الصورتين القصد الجرمي ، أو الخطأ الغير المقصود
و من المادة الثالثة من اتفاقية لعام 1998 تطلبت ضرورة توفر الركن المعنوي في جريمة تبييض الأموال فنصت على أن يكون الفعل بهدف إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للأموال مع العلم بأنها مستمدة من جريمة أو جرائم المحذرات[15].


المبحث الثاني: آليات ظاهرة غسيل الأموال:
نمت ظاهرة غسيل الأموال وترعرعت من خلال أسباب عديدة، جعلت منها جريمة اقتصادية عالمية، وعليه سنحاول من خلال هذا المبحث ذكر أهم وأبرز الأسباب التي أدت إلى ظهور هذه الظاهرة واتساعها إضافة إلى المراحل و الأساليب المنتهجة فيها.
المطلب الأول: أسباب ظهور غسيل الأموال:
تندرج ظاهرة غسيل الأموال في إطار ما يعرف بالجريمة الاقتصادية والمالية، ومن ثم فإن الدوافع الرئيسية التي تكمن وراء هذه العمليات تتمثل في البحث عن مأوى أو ملجأ بقصد تطهيرها والإفلات من المطاردة القانونية، وتتمثل أهم هذه الأسباب فيما يلي:
الفرع الأول: أسباب اقتصادية: يكمن إنجازها فيما يلي:
1. ارتفاع معدلات الضرائب والرسوم الأنشطة الاقتصادية: يحاول البعض التهرب من هذا العبء الضريبي وخاصة إذا ساد المجتمع شعور بأن حصيلة الضرائب لا تنفق في المنافع العامة، ولا توجه إلى الاستثمارات خدمات السليمة، أو أنه لا توجد عدالة في توزيع الدخل الوطني بشكل عام ،وبعد التهرب الضريبي والتوسع في القروض بدون ضمانات التي تخفي وراءها الفساد والرشوة من أهم الأسباب والمصادر التي تؤدي إلى زيادة حجم عمليات غسيل الأموال، وتنتشر جريمة التهرب الضريبي بشكل واضح في الدول النامية كما أنها توجد في الدول المتقدمة[16]؛
2. التجـارة في المحرمات: وعلى رأسها التجارة في المخدرات التي تشكل أكبر مصدر للدخول غير المشروعة بشكل عام، وكذلك تحقق أندية القمار دخلا هائلا لمن يعمل بها، ثم هناك تجارة الأسلحة التي تتم بمليارات الدولارات على مستوى العالم[17]؛
3. المنافسة ما بين البنوك: يحدث التسابق لجذب المزيد من الأموال واكتساب العملاء، وزيادة معدلات الأرباح من خلال فوارق أسعار الفائدة الدائنة، كذلك الصرف الأجنبي، وكل ما يرتبط بالعولمة والمنافسة غير الشريفة بين البنوك كما حدث في بنك آل خليفة في الجزائر عام 2003 وغيرها[18]؛
4. زيادة الاتجاه نحو التحرر المالي والاقتصادي: من خلال الالتزامات الدولية في إطار منظمة التجارة العالمية وتحرر تجارة الخدمات البنكية المالية على وجه الخصوص، مما يفسح المجال أمام التحركات الرأسمالية بقصد غسيل الأموال في الداخل والخرج، حتى تسعى معظم الدول إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتحرر الأسواق المالية لإحداث المزيد من الانتعاش والنمو الاقتصادي بغض النظر عن مخاطرة تزايد عمليات غسيل الأموال[19].
الفرع الثاني: أسبـاب غير اقتصـاديــة: وتتمثل في العناصر التالية[20]:
1. الفساد الإداري والسياسي: حيث يقوم البعض من المسؤولين في مختلف بلاد العالم باستغلال سلطانهم في الحصول على رشاوي وعمولات مقابل تمرير صفقات معينة أو إعطاء تراخيص حكومية لبدء نشاط استثماري أو للحصول على خدمات عامة مثل الكهرباء، الهاتف، والمياه وغيرها، وتلك الرشاوي والعمولات في حاجة إلى الغسيل؛
2. البحث عن الأمان واكتساب المشروعية خشية المطاردة القانونية: وهذا يمثل دافعا أساسيا لمرتكبي الأعمال الإجرامية والفساد، إذ كلما زادت المتحصلات المتولدة عنها كلما قوي السبب لغسيلها بصفة وعبر الحدود بصفة خاصة، وتشير الدراسات في هذا الصدد إلى التزايد الكبير في الأنشطة الإجرامية التي تولد دخولا ضخمة لمن يعملون فيها إنتاج المخدرات وتوزيعها، والتهريب التجاري وتجارة الأسلحة؛
3. تعقيدات النظم الإدارية: من المعروف أنه كلما زادت التعقيدات الإدارية الحكومية، وكثرت وطالت الإجراءات والقواعد المنظمة لأي عمل، كلما زادت الدوافع لدى الأشخاص للاتفاق حولها ومخالفاتها، ودفع مقابل لتذليلها، كما أن الحواجز المانعة تؤدي بالعديد من الأفراد إلى البحث عن ثغرات للتحاليل عن هذه القيود؛
4. اختلاف وتباين التشريعات وقواعد الإشراف والرقابة: وذلك بين الدول المختلفة، مما يفتح المجال لوجود بعض الثغرات التي تستطيع أن تنفذ منها هذه الأموال، خاصة وأن عملية غسيل الأموال تتم من خلال خبراء متخصصين على علم تام بقواعد الرقابة والإشراف في الدول، وما يوجد لها من ثغرات يمكن النفاد منها؛
5. تواطؤ وتردد بعض الدول النامية في وضع التشريعيات والضوابط: وذلك خوفا من أن يكون ذلك متعارضا مع اتجاه الاقتصاديات الرئيسية في العالم وكذلك المؤسسات المالية العالمية نحو تحرر تحركات رأس المال في إطار ما يعرف بظاهرة العولمة المالية وعولمة الأسواق المالية، بل أكثر من هذا التسابق ما بين الدول في منح حوافز الاستثمار والضمانات من أجل جذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية لاستثمار ضمانها أن ذلك كافي لتحقيق التنمية والتقدم الاقتصادي بغض النظر عما إذا كانت تلك الدفقات مشروعة أو غير مشروعة[21].
المطلب الثاني: مراحل ظاهرة غسيل الأموال:
تمر عملية تبييض الأموال بمراحل ثلاثة مرتبطة و هي مرحلة الإيداع و مرحلة التمويه و مرحلة الإدماج، و تهدف هذه المراحل فيما بينها إلى إخفاء المصدر الحقيقي للعائدات و الأموال غير المشروعة و سوف نقوم بعرضها فيما يلي:
الفرع الأول: مرحلة التوظيف و الإيداع:
أي مرحلة إدخال المال في النظام المالي و القانوني و بمعنى آخر التخلص من الأموال القذرة و ذلك من خلال إيداعها في البنوك أو بشراء العقارات أو الذهب أو التحف النادرة أو السلع المعمرة أو حتى في شراء الأسهم و السندات و الشيكات السياحية إضاقة إلى الدخول في مشاريع استثمارية داخل البلاد أو خارجها.
وقد تمر فترة طويلة بين جمع المبالغ المعدة للغسيل و إدخالها في الدورة المصرفية، كما أن الأموال المراد تبييضها تتجه في الغالب إلى أماكن مجهولة أكثر كالمدن الصغيرة أو المناطق التي هي بمنأى عن كل شبهة من أجل القيام بعمليات التوظيف و هذا بسبب تعزيز وسائل الرقابة والمكافحة في المراكز المالية الكبرى.
ولعل هذه المرحلة هي الأصعب بالنسبة لأصحابها كونها تتطلب أن تكون المصارف والمؤسسات المالية الطرف الأساسي فيها لذلك تعمد منظمات الإجرام إلى جعل التعرف على هوية أصحابها أمرا بالغ الصعوبة إذا لم نقل مستحيلا.
الفرع الثاني: مرحلة التمويه:
عندما ينجح الغاسل في وضع أمواله غير المشروعة داخل النظام المالي للدورة الاقتصادية ينتقل بذلك من مرحلة التوظيف للمرحلة الثانية وهي مرحلة التعتيم و الترقيد فيقوم بخلق عدة صفقات مالية معقدة تهدف إلى إخفاء معالم مصدر المال و إبعاده قدر الإمكان عن إمكانية تتبع حركته من أجل منع كشف منبعه غير المشروع.
أي أنها عملية نقل وتبادل المال القذر ضمن النظام الذي تم إدخاله فيه و هنا تتركز جهود مبيضي الأموال على قطع صلة المتحصلات المالية أو العائدات غير المشروعة بمصادرها وذلك عبر شبكة معقدة من الشبكات المالية الشرعية والتحويلات الغامضة والمعقدة داخليا أو خارجيا تجريها شركات نشطة في المراكز المالية الكبرى أو في بلدان ذات نظام مصرفي متساهل وذلك من خلال فتح حسابات مصرفية بأسماء أشخاص غير مشتبه بهم أو بأسماء شركات وهمية تستغل هذه الأوضاع و تستفيد منها أو بالتباطؤ مع شركات مالية تستهدف محو أي أثر جرمي لهذه المتحصلات التي دارت دورتها بحيث أصبح صعبا بعدئذ رصد حركة هذه الحسابات ومتابعة سيرها جراء ابتعادها تدريجيا عن مصدرها الأمر الذي يجعل القائمين بتبييضها بمأمن عن الرقابة يوما بعد يوم[22].
ويستفيد مبيضو الأموال في هذه المرحلة من التحويلات الالكترونية التي يجريها الجهاز المصرفي والتي توفر لهم مزايا تساعدهم على محو آثار الجريمة لعملياتهم كالسرعة وبعد المسافة إلى جانب الآثار المحاسبية، شبه المعلومة وكذلك القدرة على إخفاء الاسم.
الفرع الثالث: مرحلة الدمج:
تمثل عملية الدمج المرحلة الأخيرة من عملية غسل الأموال وهي المرحلة الأكثر علنية من مثيلاتها بحيث تتمثل في دمج الأموال المغسولة في الدورة الاقتصادية العادية واضفاء صفة المشروعية عليها واكسابها المظهر القانوني السليم بحيث يصعب اكتشاف أمرها. فهذه المرحلة تؤمن الغطاء النهائي للمظهر الشرعي للثروة ذات المصدر غير المشروع وبها توضح الأموال المبيضة مرة أخرى في الاقتصاد بطريقة يبدو معها أنه تشغيل قانوني لمال من مصدر نظيف. وهذه المرحلة تعتبر أخطر المراحل من حيث إمكانية اكتشافها من قبل الأجهزة الأمنية إذ أنه يصبح من شبه المستحيل التفريق بين الأموال المشروعة والأموال غير المشروعة كونها قد خضعت لعدة مستويات من التدوير وأحيانا على مدى عدة سنوات وبعد الانتهاء من هذه المرحلة واضفاء المشروعية على الأموال القذرة يصبح من الصعب الكشف عنها إلا من خلال:
ü عمل استخباراتي وبحث سري؛
ü مساعدات غير رسمية من خلال المخبرين؛
ü شيء من الحظ والمصادفة.
المطلب الثالث: أساليب ظاهرة غسيل الأموال:
تتعدد آليات تبييض الأموال و تزداد و تتنوع باكتشاف مجالات جديدة يلجأ إليها المجرمون لإجراء عمليات تبييض الأموال. و لقد كان التهريب هو أبسط و أقدم الطرق التي استخدمها مبيضو الأموال إلى جانب طرق أخرى في وقتنا الحالي أصبp للتكنولوجيا دورا كبيرا و خطيرا في تطوير الأساليب التي تستخدم لغسيل الأموال، و من أجل تقريب المفهوم أكثر عمدنا إلى تقسيم هذه التقنيات إلى تقنيات بسيطة و تقنيات حديثة لتبييض الأموال و كذا المراحل التي تمر بها هذه العملية ابتداء بالإيداع و تليها مرحلة التمويه ثم بعدها الإدماج وهي آخر مرحلة.
الفرع الأول: الأساليب البسيطة لتبييض الأموال:
تتم عملية تبييض الأموال بأساليب و أشكال عديدة بسيطة بحسب ظروف و طبيعة العملية و نجد كل من الشراء نقدا و كذلك التهريب و نقل الأموال عن طريق المؤسسات المالية غير المصرفية، شركات الواجهة، التحويل البرقي، التجارة البحرية.
أولا: الشراء نقدا:
لقد لجأ مبيضو الأموال إلى شراء العديد من الأموال العينية كالذهب والمجوهرات و العقارات و اللوحات النادرة كخطوة أولى ثم يقومون في مرحلة تالية بشراء ببيع ما تم شراؤه، و ذلك في مقابل الحصول على شيكات مصرفية بقيمة الأشياء المبيوعة كخطوة ثانية و في الخطوة الثالثة تستخدم هذه الشيكات المصرفية في شكل حسابات مصرفية تفتح لغاسلي الأموال في البنوك المختلفة المحسوب عليها هذه الشيكات بعدئذ، يقوم أصحاب هذه الحسابات بإجراء العديد من التحولات المصرفية عن طريق تلك البنوك المحسوب عليها الشيكات بقصد التعتيم على العمليات المشبوهة ، بل إنه زيادة في الحيطة ، و إحكاما لحلقات التمويه و قد يعمد مبيضو الأموال بعد إيداع حصيلة بيع الأشياء العينية لدى البنوك إلى الاقتراض من بنوك أخرى بضمان هذه الإيداعات ثم استخدام مبالغ هذه القروض في شراء هذه الأسهم أو السندات أو أذونات الخزانة أو المساهمة في مشروعات وطنية أو دولية ثم تحويل الأرباح إلى مواطنهم الأصلية أو إلى أي مكان آخر[23]؛
ثانيا: التهريب:
كان التهريب أبرز الأساليب التي يتم بها تبييض الأموال إذ يقوم المتورطون في العمليات الإجرامية بتهريب المحصلات النقدية من جرائمهم بأنفسهم أو عن طريق آخرين خارج البلاد، وكان ذلك يتم بأساليب بسيطة مثل إخفاء النقود الورقية في الجيوب السرية للحقائب أو بوضعها في علب حفاظات الأطفال و من الطرق التي تؤدي إلى نقل الأموال إلى خارج البلاد إما برا أو بحرا أو جوا، بل إنه يمكن القيام بتهريب النقود بإرسالها بالبريد خارج البلاد؛
ثالثا: التجارة البحرية:
حيث تقوم السفن البحرية التي ترفع علم دولتها أو علامات تسجيل خاصة بإخفاء أموال قذرة. تعمد إلى إدخالها إلى إحدى الدول على أنها أموال منقولة من دول أخرى بصفة تجارة مشروعة وقد تضمنت المادة 17 من اتفاقية فيينا لعام 1988 إجراءات خاصة لمنعها[24]؛
رابعا: الملاهي:
تعد الملاهي من أهم مجالات الحصول على النقود نضرا لتعدد مجالات اللهو والتسلية التي تنشر داخل الملاهي. مع تعدد مستخدمي الألعاب. والتي عادة ما تضم أعمالا متكاملة وبصفة خاصة في المناسبات ذات الطابع الخاص بكل منطقة إدارية. سواء كانت هذه المجالات مجالات لعب القمار أو مجالات الاستمتاع بالغناء والرقص.
وأيا كانت هذه المجالات التي تضمها مدينة الملاهي فإنها مصدر جيد لتوليد تدفقات نقدية متعددة ومتنوعة. عادة ما تكون النقدية من فئات صغيرة ولكنها كبيرة الحجم والقيمة ومن ثم يتم مزجها بالأموال التي يرغب في تبييضها و إيداعها بشكل يومي في فروع البنوك المختلفة القريبة[25]؛
خامسا: شركات الواجهة:
قد يعمد غاسلو الأموال و بالذات في العمليات الدولية الكبرى والمنضمة إلى إنشاء شركات أجنبية صورية يطلق عليها في بعض الأحيان الشركات الصورية وهذه الشركات لا تنهض بالأغراض المنصوص عليها في عقود تأسيسها أو أنظمتها الأساسية بل تقوم بالوساطة في عمليات غسيل الأموال غير النظيفة و عادة ما يصعب تعقب النشاط غير المشروع لهذه الشركات و خاصة إذا كانت تقوم في ذات الوقت بجانب من العمليات المشروعة و علاوة على ذلك فإن هذه الشركات لا تخضع في بلاد كثيرة لنفس درجة الرقابة التي تخضع لها البنوك أو إجراءاتها في العمل و من صور تلك الشركات شركات السياحة و الاستيراد و التصدير، شركات التأمين شركات محلات المجوهرات الكبرى؛
سادسا: نقل الأموال عن طريق مؤسسات مالية الغير مصرفية:
و يقصد بالمؤسسات المالية غير المصرفية تلك المؤسسات التي تشترك في عمليات تبادل النقود مثل القيام بالتحويلات البرقية للنقود أو صرف الشيكات أو بيع أوامر الدفع، أو بيع الشيكات السياحية و من أمثلة تلك المؤسسات المالية شركات الصرافة شركات سمسرة الأوراق المالية، مكاتب شركة (أمريكان إكسبريس) لبيع شيكات المسافرين و تعتبر تلك المؤسسات منفذا خطيرا لمبيضي الأموال بالنظر إلى كونها غير خاضعة لنفس الرقابة الصارمة التي تخضع لها البنوك
الفرع الثاني: الأساليب الحديثة لتبييض الأموال:
من خلال ما ذكرنا من الوسائل نلاحظ أن وسائل التكنولوجيا الحديثة أصبحت مهمة في خدمة تبييض الأموال خاصة و أن هذه الوسائل جعلت عملية الكشف عن الجريمة في غاية الصعوبة و من هذه الأساليب نذكر التالية:
أولا: أجهزة الصراف الآلي:
فقد تبين لدى السلطات الأمريكية و من خلال تقارير العمليات المشبوهة وجود استخدام متزايد لأجهزة الصراف الآلي داخل الو.م.أ وخارجها بهدف التملص من عملية السحب والإيداع النقدي المباشر و بالتالي الاضطرار إلى تعبئة التقارير الخاصة بالعمليات النقدية و المشبوهة حيث يتم استخدام هذه الأجهزة للسحب و الإيداع المتكرر بهدف تجنب الاكتشاف من قبل السلطات الأمنية المختصة .
ثانيا: الخدمات البنكية الإلكترونية:
يلاحظ تزايد كبير في استخدام الخدمات البنكية الإلكترونية لتنفيذ خطوات محدودة في دورة تبييض الأموال و خاصة في مرحلتي التوظيف و الدمج و تقوم البنوك التي تعرض هذه الخدمات باستخدام شبكات الانترنيت كقناة لتوصيل هذه الخدمات لعملائها وبهدف تسهيل تنفيذ و أداء العمليات المختلفة مثل تحويل الأموال و دفع الفواتير والاستفسار عن الأرصدة و تكون هذه الأنظمة لا تحتاج إلى أكثر من جهاز حاسوب و ما يسمى بخادم الحاسوب و وسيلة الاتصال فإن هذه الخدمات الإلكترونية أصبحت تمثل صعوبة كبيرة و خاصة في عمليات التحقق من الهوية الحقيقية للشخص الممثل للعملية المالية إضافة إلى انعدام وجود أية آثار يمكن مراجعتها و تدقيقها؛
ثالثا: التشفير و النقود الإلكترونية:
تثير عمليات التشفير قلق العديد من السلطات الأمنية وذلك أنه سمح بظهور النقود الإلكترونية كما أتاحت تكنولوجيات التشفير لكل من البنوك و عملائها حماية معلوماتهم وعملياتهم المالية من خلال استخدام مفاتيح التشفير[26]؛
رابعا: بنوك الانترنيت:
و من أهم و أخطر الوسائل التكنولوجية الحديثة ما يعرف بنظام أو بنوك عبر الانترنيت و هي ليست في الواقع بنوك بالمعنى الفني الشائع و المألوف إذ هي لا تقوم بقبول الودائع مثلا و لكنها عبارة عن وسيط في القيام ببعض العمليات المالية و عمليات البيوع فيقوم المتعامل بادخار الشفرة السرية من أرقام و طباعتها على الكمبيوتر و من ثم يستطيع تحويل الأموال بالطريقة التي يأمر بها الجهاز.
وهذه وسيلة تتيح لغاسلي الأموال نقل و تحويل كميات ضخمة من الأموال بسرعة وأمان، فهذه البنوك تعمل في محيط السرية الشاملة إذ لا يقوم المتعاملون فيها معلومي الهوية؛
خامسا: الكارت الذكي:
و هناك أسلوب تكنولوجي حديث يعرف باسم الكارت الذكي، و هي تكنولوجية نشأت في إنجلترا وامتد العمل بها في الو.م.أ و يقوم هذا الكارت بصرف النقود التي كان قد سبق تحميلها من العميل مباشرة إلى القرص المغناطيسي عن طريق ماكنة تحويل آلية
و يزيد الأمر خطورة أن للكارت الذكي خاصية الاحتفاظ بملايين الدولارات مخزنة على القرص الخاص به ثم يمكن بسهولة نقل الرسائل الإلكترونية السريعة وذلك بهدف تجنب أي ملاحقة أو انفضاح لأمرها[27]؛

المبحث الثالث: آثار وطرق مكافحة ظاهرة غسيل الأموال:
يتجه البعض إلى الاعتقاد بأن نتائج غسل الأموال قد تكون إيجابية خاصة للدول النامية إذ تدر مدخولا جيدا يمكن استثماره في مشاريع إنتاجية لتلك الدول و قد يكون ذلك صحيحا نوعا ما إذا ما تم فعلا استثمار هذه الأموال في مشروعات إنتاجية متوسطة أو طويلة الأجل و التي من شأنها الإسهام في خطط التنمية و بالتالي الحد من ظاهرة البطالة وحفظ معدلات التضخم.
لكن و من خلال التجارب التي مرت بها معظم الدول التي تتغاضى عن عملية تبييض الأموال على أراضيها فقد ثبت أن هذه الأموال تتجه غالبا إلى البحث عن الربح السريع و التوظيفات القصيرة الأجل دون النظر لما قد تسببه من مخاطر كبيرة على النظام المصرفي خاصة و الوضع الاقتصادي بصفة عامة.
المطلب الأول: الآثار الاقتصادية لظاهرة غسيل الأموال:
إن عمليات تبييض الأموال لها آثار اقتصادية بالغة الخطورة من أهمها:
الفرع الأول: أثر عملية تبييض الأموال على الدخل القومي:
تعتبر الأموال الهاربة إلى المصارف الأجنبية بالخارج استقطاعات من الدخل القومي للدولة التي تحققت فيها هذه الأموال، ذلك أن خروج هذه الأموال غير المشروعة إلى الخارج التي كونها أصحابها على أرضها يحرم هذه الدولة من العوائد الإيجابية التي كان يمكن الحصول عليها لو تم تشغيل هذه الأموال داخل الدولة[28]، وما يرتبط بذلك من تشغيل العمالة و زيادة المعروض الكمي، كذلك فإن جانبا من عملية غسيل الأموال عادة ما تكون أنشطة هاربة من الضرائب المستحقة عليها و هو ما يعني انخفاض الموارد المتاحة لتمويل البرامج الاقتصادية بالإضافة إلى أن المؤشرات الاقتصادية الكلية مثل رقم الناتج المحلي، نسبة البطالة ....الخ، لن تكون صحيحة مما يؤدي إلى زيادة صعوبة مهمة السلطات الاقتصادية في اتخاذ السياسات الاقتصادية السليمة، كما أنها لن تستطيع أن تحرك النشاط الاقتصادي بالشكل الذي تريده لأن جزءا كبيرا من هذا النشاط لا تعلم عنه شيئا ولا تستطيع التحكم فيها.
و هكذا ينتج عن هذه الأنشطة غير المشروعة:
-زيادة الدخول غير المشروعة و من ثم حصول بعض الأفراد على دخول لا يستحقونها في الوقت الذي لا يعمل فيه أصحاب الدخول المشروعة على زيادة مناظرة، و هو ما يؤدي إلى اختلاف توزيع الدخل القومي و ما يتبعه من مشكلات اجتماعية واسعة؛
- سوء توزيع العبء الضريبي و اختلاف توزيع الدخل القومي؛
- الحد من فعالية السياسة الاقتصادية حيث تتسبب الأنشطة غير المشروعة في الحصول للمسئولين عن منع السياسة الاقتصادية للدولة على معلومات خاطئة عن معظم التغييرات الاقتصادية التي يمكن الاعتماد عليها عند منع هذه السياسات؛
الفرع الثاني: أثر عملية تبييض الأموال على توزيع الدخل القومي:
تؤثر تأثيرا سلبيا على توزيع الدخل القومي نظرا لأن مصدر هذه الأموال غير مشروع، و هذا يعني حصول فئة من المجتمع على دخل دون وجه حق و مثل هذا الدخل يتم انتزاعه من الفئات المنتجة في المجتمع[29]. و على هذا يحدث تحويل للدخل من الفئات المنتجة التي تحمل على دخول مشروعه إلى الفئات غير المنتجة التي تعمل على دخول غير مشروعة ... و أكثر الأموال التي يتم تبييضها ترتبط بالتهرب من الضرائب و هو ما يعني أن مكتسبي هذه الأموال يظلون بمنـأى عن سداد حقوق خزينة الدولة، التي يعتمد عليها في تمويل الخدمات الاجتماعية خاصة للطبقات الفقيرة. أي أن عمليات تبييض الأموال تحد من قدرة الدولة على إعادة توزيع الدخل القومي يشكل أكثر عدلا و ذلك من خلال النظام الضريبي و هكذا يحدث توزيع الموارد الاقتصادية في المجتمع إذ أنه في ظل المكاسب الإضافية التي يحققها القائمون بأنشطة الاقتصاد الري بسبب عدم خضوعهم لأي ضرائب أو رسوم حكومية أو قيود إدارية، فإن يحدث تحول في تخصيص الموارد الاقتصادية للمجتمع بدلا من أن تتجه للعمل في المجالات التي يحتاجها المجتمع أكثر تتجه إلى المجالات عير المشروعة لأنها أكثر ربحا؛
الفرع الثالث:أثر عملية تبييض الأموال على الادخار المحلي:
أثبتت عمليات غسيل الأموال وجود علاقة عكسية بينها وبين الادخار المحلي، يعني أنه كلما زادت عمليات تبييض الأموال قل معدل الادخار المحلي، حيث أن تبييض الأموال يؤدي إلى هروب رأس المال إلى الخارج و بالتالي تقل المدخرات التي يمكن أن توجه للاستثمار. أما إذا تم تبييض الأموال عن طريق تصرفات عينية مثل شراء الذهب أو التحف الفنية أو المضاربة في الأراضي فإن هذا يعني اتجاه الأموال إلى استهلاك لا يفيد المجتمع في شيء و في كل الأحوال يفيد القدر الموجه إلى الادخار و تحجز الحكومات عن تمويل برامجها الاستثمارية و يقل التشغيل و يقل معدل النمو الاقتصادي[30]؛
الفرع الرابع: أثر عملية تبييض الأموال على معدل التضخم:
تؤدي عملية تبييض الأموال على حصول أصحابها على دخول كبيرة دون أن يقابلها زيادة في إنتاج السلع و الخدمات في المجتمع مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. وإذا أضيف إلى ذلك نقص معدل الادخار و نقص إيرادات الدولة من الضرائب و الرسوم فإن ذلك يساهم في زيادة عجز موازنة الدولة و بالتالي ارتفاع الأسعار. و على المستوى الدولي تساهم عمليات تبييض الأموال على تصدير التضخم من الدول الصناعية المتقدمة على الدول النامية بسبب خروج أموال ضخمة من الدول النامية إلى الدول الصناعية المتقدمة التي يشعر أصحاب الأموال القذرة أنها أكثر أمان لأموالهم. مع وجود تيار داخل كبير في الدول الصناعية لا يصاحبه زيادة في العرض السلعي فإن ذلك قد يؤدي – في ظروف معينة - إلى حدوث تضخم في الدول الصناعية و لما كانت الدول النامية تعتمد على الدول الصناعية في حوالي%80 من حجم تجارتها الدولية فإن ارتفاع الأسعار في الدول المتقدمة يعني الزيادة في أسعار السلع التي تستوردها الدول النامية و بالتالي ارتفاع الأسعار فيها[31]؛
الفرع الخامس: أثر عملية تبييض الأموال على قيمة العملة الوطنية:
تؤثر عمليات تبييض الأموال تأثيرا سلبيا على قيمة العملة الوطنية للدول مصدر الأموال بسبب ارتباطها بتهريب الأموال للخارج و الذي يستلزم تحويل هذه الأموال للعملات الأجنبية و هذا يعني زيادة الطلب على هذه العملات الأجنبية و انخفاضه على العملة المحلية وبالتالي انخفاضها و تدهورها[32]؛
الفرع السادس: أثر عملية تبييض الأموال على نمط الاستهلاك:
لما كانت مصادر الدخول التي تخضع لعمليات غسيل الأموال غير مشروعة ولا تنتج من عمل أو جهد إنتاجي حقيقي فإن ذلك يعني أن مكتسب هذا الدخل لم يتعب في سبيل الحصول عليه ومن ثم لا يقدره حق قدره. كذلك النمط الاستهلاكي لبعض المستهلكين يتصف بعدم الرشد أو العشوائية ولا يقيم وزنا للمنفعة النقدية للنقود، حيث عادة ما يتجه أصحاب هذه الدخول إلى تعويض الحرمان من الترف الذي عانوا منه قبل الحصول على الدخول غير المشروعة فيتجهون إلى شراء الذهب والمجوهرات...الخ، بهدف تقليد الأغنياء داخل المجتمع أو المستهلكين الأجانب من أجل إشباع رغبة التباهي و التفاخر، كما أنهم قد يسلكون سلوك انحرافي كالاتجاه إلى الملاهي والقمار[33].
الفرع السابع: تشويه المنافسة:
تؤدي عملية تبييض الأموال إلى تشويه المنافسة داخل القطاع المالي و تبقى بصورة مصطنعة على نشاط بعض المؤسسات المالية الضعيفة التي تتأثر بإغراءات المبيضين و منضمات المافيا، مما يؤدي على تحويل هذه المؤسسات إلى محل تبييض الأموال و تقوم بمنافسة المؤسسات المالية الأخرى بطريقة غير مشروعة؛
الفرع الثامن: تشويه صورة الأسواق:
إن الأموال غير المشروعة التي يتم تبييضها من خلال المصارف و غيرها من المؤسسات المالية تمثل عائقا أمام تنفيذ السياسات الرامية إلى تحرير الأسواق المالية من أجل اجتذاب استثمارات المشروعة، و بالتالي تشوه صورة تلك الأسواق.
المطلب الثاني: الآثار غير الاقتصادية لظاهرة غسيل الأموال:
تخلف عمليات تبيض الأموال العديد من الآثار السياسية و الاجتماعية منها:
الفرع الأول: السيطرة على النظام السياسي: يصل الأمر بأصحاب الأموال القذرة إلى التمثيل في المجالس الشعبية و النيابية، الأمر الذي يفضي إلى تمتع هؤلاء الأشخاص بالحصانة كذلك الاشتراك في وضع تشريعات الدولة والقوانين واللوائح التي تتناسب مع مصالحهم غير المشروعة فينجم الفساد وذلك بفضل ما لديهم من إمكانيات في الإنفاق على الدعاية الانتخابية وشراء الذمم والتأثير على أصوات الناخبين، وقد تمتد هذه السيطرة إلى جميع الأنشطة الثقافية والرياضية مما يؤدي في النهاية إلى الإخلال والفوضى والفساد مما يؤدي في النهاية إلى الإخلال والفوضى والفساد مما يؤدي إلى تهديد أساس المجتمع؛
الفرع الثاني: تمويل المنظمات الإرهابية: من جهة أخرى يتم توجيه هذه الأموال إلى تمويل المنظمات الإرهابية للقيام بعملياتهم وجرائهم التخريبية وزعزعة الأمن و الاستقرار والثقة في أجهزة الدولة[34]. ومن أمثلة ذلك ما قام به الثوار الأفغان وتنظيم القاعدة بزراعة المخدرات وإنتاج الهروين في الأراضي الأفغانية، ومن ثم استعمال هذه الأموال الناتجة عن تجارة المخدرات في شراء الأسلحة لتمويل عملياتهم؛
الفرع الثالث: تمويل النزاعات الدينية والعرقية: أشارت الأمم المتحدة في دورتها التي عقدت في 9جوان 1988 إلى أن الأرباح الناتجة عن تبييض الأموال، تمول بعض أغنى النزاعات الدينية والعرقية، حيث يقوم مبيضو الأموال ببث الخلافات الداخلية وإشعال الفتن الدينية والعرقية[35]؛
الفرع الرابع: البطالة: يؤدي هروب الأموال إلى نقل جزء كبير من الدخل الوطني إلى الدول الأخرى وبالتالي ينخفض حجم الاستثمارات اللزمة لتوفير فرص العمل للمواطنين ومن ثم تواجه البطالة في ظل الزيادة السنوية في أعداد الخرجين من المعاهد ومراكز التكوين و الجامعات. ففضلا عن الباحثين عن العمل من غير المتعلمين مما يؤدي إلى تفاقم مشكلة البطالة وقد بينت الدراسات أن خلق فرصة عمل واحدة في الو.م.أ يحتاج إلى تكلفة تقدر ب250 ألف دولار ويبلغ ثلاثة أضعاف هذا المبلغ في اليابان[36]؛
الفرع الخامس: تدني مستوى المعيشة: تؤدي عمليات غسيل الأموال الى حدوث اختلال في البنية الاجتماعية للدولة وذلك بازدياد الفجوة بين الأغنياء و الفقراء في المجتمع، و مما يجعل هؤلاء المجرمين يصعدون إلى قمة الهرم الاجتماعي، في الوقت الذي يتراجع فيه مركز العلماء والمفكرين والمكافحين والبسطاء إلى أسفل القاعدة، ويرجع هذا كله إلى سوء توزيع الدخل الوطني إذ يتم تحويل الدخول من الطبقات الفقيرة المنتجة والتي تزداد فقرا إلى الطبقات الغير منتجة والتي تزداد ثراءا فيزداد العداء من تلك الطبقات الشريفة لتلك الطبقة[37].
المطلب الثالث: طرق مكافحة ظاهرة غسيل الأموال:
دفعت الآثار الوخيمة السابقة الذكر على جميع المجالات وكذلك ضخامة الأموال الناجمة عن عمليات تبييض الأموال المجتمع الدولي و المحلي إلى التجند و العمل على مكافحة هذه العمليات وردع مرتكبيها.
الفرع الأول: المكافحة على الصعيد الدولي:
إدراكا من المجتمع الدولي للآثار السلبية لظاهرة تبييض الأموال على الاقتصاديات الوطنية و على الاقتصاد الدولي بصفة عامة فلقد توالت الجهود الدولية من أجل الحد من الظاهرة و العقاب عليها و ضبط المنحرفين الذين يساهمون فيها.
الفرع الأول: اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1988أو ما يعرف باتفاقية فينا.
تتعلق هذه الوثيقة بالإتجار المشروع بالمخدرات و المؤثرات العقلية وقد تم إقرار تاريخها 20/12/1988 (أصبحت نافذة عام 1990) و التي تلتزم الأطراف المنظمة إليها بإضفاء صفة الجريمة على مجموعة الأعمال التي تستهدف إخفاء المصدر الجرمي للأموال و التستر على حركتها ووضعها ومالكها، و كذلك التسهيل على التعاون القضائي و الإداري و تبادل المتهمين بين دول الأعضاء.
الانتظار على مخاطر أنشطة غسيل الأموال المحتملة عن تجارة المخدرات و آثارها المدمرة على النظم الاقتصادية و الاجتماعية للدول، كما جسدت قناعة المجتمع الدولي بأهمية تعاونه في مكافحة تبييض الأموال الناتجة عن الجرائم المذكورة كذلك فقد ساعدت هذه الاتفاقية على بناء الاستراتيجيات الجديدة التي تقضي بحرمان المجرمين من ثمار جرائمهم بغية تجديدهم من المحرك الأساسي لنشاطهم الجرمي ألا وهو قدراتهم المالية[38]؛
الفرع الثاني: توصيات بازل(إعلان بازل):
صدرت توصيات بازل عام1988 عما يعرف بمجموعة العشر (و هي البنوك المركزية و بعض المؤسسات المالية ذات طابع إشرافي)، التي اجتمعت في بازل بسويسرا، حيث تضمنت هذه التوصيات العديد من المبادئ التي يتعين على المصرفيين إتباعها لكي يتم السيطرة على ظاهرة تبييض الأموال ومنع استخدام البنوك كوسيلة لتسهيل إخفاء أو تنظيف الأموال؛
كذلك ظهرت الجهود على المستوى الإقليمي لا تقل أهمية عن الجهود الدولية، مثل اللائحة الإرشادية الصادرة عام 1990 عن المجموعة الأوروبية و التي توجب المؤسسات المالية إبلاغ السلطات المختصة عن العمليات المشبوهة و تنظيم عمليات صرافة العملات الأجنبية؛
أما منظمة الدول الأمريكية فقد تبنت عام 1992 لوائح نموذجية لمكافحة تبييض الأموال المتعلقة بجرائم المخدرات و الجرائم المرتبطة بها. وقد شددت هذه اللوائح على المؤسسات المصرفية وسماسرة الأوراق المالية بضرورة مكافحة تبييض الأموال، كما ألزمت اللوائح هذه الجهات بإبلاغ السلطات المختصة عن العمليات المشبوهة و دون إعلام العملاء عن ذلك؛
الفرع الثالث: مؤتمر ستراسبورغ:
في عام 1990 ظهرت الاتفاقية المتعلقة بإجراءات التفتيش والضبط الجرمي لتبييض الأموال والتي حددت الإطار الدولي للتعاون في حقل مكافحة الأنشطة الجرمية لتبييض الأموال ومثلت الإطار القانوني الإرشادي للبرلمانات الأوربية وقد صدر عن هذه الاتفاقية دليل الحماية من استخدام النظام المالي في أنشطة تبييض الأموال في عام 1991 و الذي يهدف إلى وضع إطار قانوني لجهات مكافحة تبييض الأموال، وقد جرى تطبيق محتواه في العديد من التشريعات الأوروبية مثل قانون العدالة الجنائية البريطاني لعام 1993؛
ولا تزال الجهود الدولية تبذل من قبل الهيئات المالية و التشريعية الدولية لإصدار السياسات و التوجيهات الإرشادية لمكافحة الأنماط الحديثة في تبييض الأموال وخاصة الانترنيت و البنوك الإلكترونية.
الفرع الرابع: فريق العمل المالي الدولي(FATF):
إلى جانب جهود الأمم المتحدة، و بعد عام واحد تقريبا تأسس إطار دولي لمكافحة تبييض الأموال، و هو فريق العمل المالي الدولي أو ما يسمى بالمجموعة الدولية للعمل المالي و هي منظمة نشأت عن اجتماع الدول السبع الصناعية الكبرى و قد فتحت هذه المنظمة عضويتها للدول الراغبة بالانضمام و تهدف المنظمة إلى تحديد أنشطة تبييض الأموال و ذلك من خلال الخبراء و لجان الرقابة و بالفعل أخذت تكشف عن أوضاع تصدرها و تحظى باهتمام الجهات الحكومية و التشريعية في مختلف دول العالم.
أما من أهم ما انطوت عليه هذه التوصيات فكان:
- ضرورة أن تتخذ كل دولة الإجراءات اللازمة. بما فيها التشريعات لإعطاء الصفة الجريمة لفعل تبييض الأموال (التوصية الرابعة) على الأقل المرتكب عن قصد، على أن يجري استخلاص ذلك من المواقع الموضوعية(التوصية السادسة). ولقد اقترح فريق العمل أيضا قانونا لذلك ضمنه مقدمة هذا التقرير، وذلك حتى لا يتأثر أي لباس بهذا الشأن فيما ارتكز التحريم فقط على النصوص القانونية المتعلقة بأغراض الجريمة[39]؛
قرارات لجنة الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات عام 1995:
عقدت في النمسا ودرست سبل تعزيز التعاون الدولي في مجال مكافحة تبييض الأموال وقد أصدرت قرارين هامين هما:
ü ضرورة انشاء في كل دولة على حدة مركزية للتحليل المالي وذلك للإبلاغ عن الصفقات المشبوهة؛
ü اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان تعزيز التعاون بين فرع منع الجريمة والعدالة الجنائية التابع للأمانة العامة للأمم المتحدة و برنامج الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات؛
الفرع الخامس: إعلان كنغستون: ضمن هذا الإعلان مجموعة وزراء وممثلين عن حكومات دول الكاريبي وأمريكا اللاتينية الذين اجتمعوا في كنغستون بجمايكا بين 5-6 أكتوبر 1992 وقد اتفقت الدول المجتمعة على توقيع وتنفيذ إعلان الأمم المتحدة لعام 1988 ضد تهريب المخدرات و العقاقير، واتفقوا أيظا على قبول وتنفيذ التوصيات الأربعين التي صدرت عن الدول الصناعية السبع، كما أوصوا في هذا الإعلان بأن تقوم كل دولة بوضع قوانين و أنظمة تتعلق بضبط ومصادرة الممتلكات والأرباح الناتجة عن تهريب المخدرات[40].
إدارة منع ومصادرة الأموال المتأتية من أعمال إجرامية (فوباك): تم تأسيس هذه الإدارة عام 1993 كإدارة تابعة للإنتربول تكمن مهمتها في جمع المعلومات والأخبار وترجمتها وحفضها لديها ضمن أرشيف خاص، كما تقوم بإجراء الدراسات المتعلقة بملاحقة الموجودات غير الشرعية في العالم[41].
الفرع الثاني: المكافحة على الصعيد المحلي:
اتجه المشرعون في كثير من الدول إلى تجريم تبييض الأموال فأصبح هذا النشاط جريمة قائمة بذاتها، لها أركانها و عقوبتها ولاشك أن هذه خطوة جريئة و هامة في سبيل مكافحة تبييض الأموال باعتبارها من النشاطات الخطيرة و المدمرة للاقتصاديات الوطنية و من أمثلة الدول التي أصدرت قوانين لمكافحة تبييض الأموال : الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا إنجلترا، بعض الدول أمريكا الجنوبية مثل الإكوادور و الأوروغواي ، و أستراليا ، اليابان ، هونغ كونغ، ألمانيا، سنغافورة ، النمسا.
أولا: الولايات المتحدة الأمريكية.
كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الرائدة في إصدار تشريعات و قوانين لمكافحة تبييض الأموال إذ أصدرت في عام 1970 قانون سرية الحسابات و تعديلاته المختلفة، و هذا القانون عند مناقشة السرية المصرفية و علاقتها بتبييض الأموال، ينطبق على المؤسسات المالية الفرع فقط و يلزمها بالإبلاغ عن المعاملات النقدية التي يبلغ مقدارها 10 آلاف دولار أو أكثر، و لما كانت مسألة إعداد هذه التقارير و الإبلاغ عن جميع الصفقات المالية التي تبلغ قيمتها المالية 10آلاف دولار مكلفة، كما تستغرق بعض الوقت فلقد رأى الكونجرس الأمريكي إصدار قانون مستقل لتجريم و مكافحة تبييض الأموال و هو ما يعرف بقانون السيطرة على تبييض الأموال لعام 1986 و لقد جرم هذا القانون بعض الأنواع من السلوك وهي:
القيام أو الاشتراك في أي عملية تتضمن أو تنطوي على أموال متحصلة من مصدر غير شرعي، منع النقل أو التحويل الدولي للأموال المتحصلة من مصدر غير شرعي. و تلاه بعد ذلك قانون 1988 للمعاقبة على استعمال الأموال الناتجة عمن المخدرات بصورة مستقلة في جريمة الاتجار بالمخدرات كما فرضت القوانين على مؤسسات مالية، و هي البنوك وشركات السمسرة و الادخار و التأمين و المطاعم و مكاتب المحاسبة و المراجعة بموجب إرسال تقارير عن المعاملات النقدية إلى إدارة خدمة الدخول، و ذلك في نقطة أقصاها 15 يوما من تاريخ كل معاملة تزيد قيمتها عن 10 آلاف دولار يقوم بها مودع واحد في يوم واحد[42].
الفرع الثاني: القانون الإنجليزي.
لما كانت إنجلترا هي أكبر مركز مالي في القارة الأوروبية ، فكانت محط أنظار مبيضي الأموال للقيام بعملياتهم المشبوهة ، وعليه كان رد فعل المشرع الإنجليزي صارما فيما يخص مكافحة تبييض الأموال، فإلى جانب التصديق على معاهدة فينا لعام 1988 و الاتفاقية الدولية لمكافحة تبييض الأموال و العضوية في المنظمات و المجموعات الدولية ، سنت إنجلترا أقوى القوانين في أوروبا لمكافحة تبييض الأموال و أبرز تشريع في هذا الخصوص هو قانون drug trafficking off ens act لعام 1986 أو (DTOA) و الذي أصبح نافذا و معمولا به في الأول من جانفي 1987 و يتضمن هذا القانون نصوصا تلزم بالتحقيق في نشاطات غير المشروعة التي تتعلق بجرائم المخدرات. وذلك قبل اتخاذ إجراءات تجميد الأصول أو العوائد المتحصلة من الجرائم أو مصادرتها و لقد جرم هذا القانون المساعدة في هذه الجريمة بأي طريقة كإخفاء عوائدها أو ثمارها ، و بحيث يصل العقاب على المساعدة إلى السجن لمدة قد تصل إلى 14 عام أو غرامة مالية أو كليهما كذلك يجرم القانون أي استخدام للأموال الناتجة عن جرائم المخدرات و العائدات لشخص آخر ، بهدف سلامة هذه الأموال و تأمينه، وفي 1990 أصدرت إنجلترا تشريعا هو قانون التعاون الدولي في مجال العدالة الجنائية .ولقد امتد هذا العقاب بموجب هذا القانون على أي سلوك أو نشاط يستهدف الإخفاء أو التحويل للعوائد المتحصلة على النشاط الإجرامي للمخدرات دون اختصاص المحاكم الإنجليزية بالعقاب؛
الفرع الثالث: القانون الفرنسي:
استغل مبيضو الأموال المؤسسات المالية الفرنسية كمحطة لنقل عوائدها من النشاطات غير المشروعة بين أوروبا و دول أمريكا الجنوبية و للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة أنشأت الحكومة الفرنسية مكتبا يعرف بـ TRACFIN يهدف إلى الكشف عن جرائم المخدرات و غيرها من الجرائم المرتبطة بتبييض الأموال.
و لعل أول قانون يصدر في فرنسا للعقاب على جريمة تبييض الأموال كجريمة قائمة بذاتها هو قانون رقم 87/1157 لعام1987 و الذي نص على عقاب كل من اشترك أو ساهم عن علم ووعي كاملين في غسيل العوائد الناتجة من جرائم المخدرات.
كما صدر في عام 1990 القانون رقم 90-214العقاب على تبييض الأموال و الذي يتعلق أساسا باشتراك المؤسسات المالية و البنوك على وجه خاص في تبييض الأموال المتحصلة من جرائم المخدرات.
و أخيرا أصدر المشرع الفرنسي القانون رقم 96-392 في عام 1996 باستحداث الكثير من الأحكام في مجال التجريم و العقاب على تبييض الأموال، ولقد عرف المشرع تبييض الأموال بأنه تسهيل التبرير الكاذب بأي طريقة كانت لمصدر أموال أو دخول لفاعل جناية أو جنحة تحصل منها عن فائدة مباشرة أو غير مباشرة؛
الفرع الرابع: مصر: وقعت على عدة اتفاقيات دولية في هذا المجال، كما أصدرت قانون مكافحة غسيل الأموال في 2002 ونصت المادة الثالثة لهذا القانون على انشاء وحدة مستقلة عن البنك المركزي ذات طابع خاص لمكافحة غسيل الأموال؛
الفرع الخامس: لبنان: إن موقع لبنان الجغرافي ونظامه الاقتصادي وحرية التجارة والتحويل و السرية المصرفية التي تشكل ركيزة قطاعه المصرفي وانتفاء الرقابة على القطاع شكلت جميعها عوامل جذب للودائع المصرفية بغض النظر عن مشروعيتها أو لا. لهذا بذلت لبنان عدة جهود لمحاربة ظاهرة غسيل الأموال. أولا من خلال المصادقة على الاتفاقيات الدولية في المجال (رغم تحفظها على بعض المواد)، وثانيا من خلال اعداد مشروع خاص لمكافحة تبييض الأموال. كما وقعت البنوك اللبنانية اتفاقية الحيطة والحذر في عام 1996 حيث حدد بموجبها أطر ووسائل دعم الوقاية من تبييض الأموال إضافة لا صدارها عدة قوانين أخرى.

المبحث الرابع: ظاهرة غسيل الأموال في الاقتصاد الجزائري:
تعيش الجزائر ظاهرة تبييض الأموال بكل جوانبها من الرشوة إلى الفساد، المحسوبية و كذا دخول وخروج السلع ورؤوس الأموال دون مراقبة صارمة، حيث إن مرتكبي هذه الجريمة استغلوا كل المنافذ و الثغرات التي تسمح لهم بذلك من أجل تحقيق ثروات طائلة و في هذا المبحث سوف نعرف الأسباب التي دفعت تكوين شبكات إجرام قصد حصول على المال، و هذا ضمن مجموعة من المصادر و بانتهاج عدة أساليب.
المطلب الأول: مفهوم ظاهرة غسيل الأموال في الجزائر ومصادرها:
الفرع الأول: مفهوم الظاهرة: عرف المشرع الجزائري عمليات تبييض الأموال بأنها[43]:
كل تحويل للممتلكات أو نقلها مع علم الفاعل بأنها عائدات إجرامية بغرض إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع لتلك الممتلكات أو مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب الجريمة الأصلية التي تأتي منها الممتلكات على الإفلات من الآثار القانونية لفعلته.
كما عرفها بأنها أيضا[44]: الأموال أي نوع من الأموال المادية أو غير المادية لاسيما المنقولة أو غير المنقولة التي يحصل عليها بأي وسيلة كانت، والوثائق أو الصكوك القانونية أيا كان شكلها بما في ذلك الشكل القانوني أو الرقمي والتي تدل ملكية تلك الأموال أو مصلحة فيها، بما في ذلك الإئتمانات المصرفية وشيكات السفر والشيكات المصرفية والحوالات والأسهم والأوراق المالية والسندات والكمبيالات وخطابات الاعتماد.
المشاركة في ارتكاب أي من الجرائم المقررة وفقا للمادة، أو التواطؤ أو التآمر على ارتكابها أو محاولة ارتكابها والمساعدة والتحريض على ذلك وتسهيله اسراء المشورة بشأنه.
وما يلاحظ على المشرع الجزائري أنه أخذ بما جاء في المادة الثالثة من اتفاقية فيينا 1988 فيما يخص تحديد الركن المادي والمعنوي للجريمة، كما أنه أخذ بالمفهوم الواسع لعمليات التبييض، حيث أنه لم يحصرها في تجارة المخدرات فقط، وهو ما يظهر من خلال المادة 04 من القانون المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الارهاب ومكافحتها.
الفرع الثاني: مصادر عمليات التبييض:
أولا: الرشوة: تعد الرشوة أو ما يعرف بالفساد السياسي من الجرائم الاقتصادية المولدة للأموال غير المشروعة، وعلى كل فإن الجزائر كسائر الدول سعت إلى مكافحة هذه الجريمة من خلال التعاون منظمة "ترانسبيرنسي أنترناسيونال" – منظمة الشفافية الدولية لمكافحة الرشوة – والتوقيع على اتفاقية ميريدا بالمكسيك في ديسمبر2004 وصادقت عليها في أفريل 2005، واصدار عدة قوانين تعاقب من خلالها كل من يرتكب هذه الجريمة، وذلك بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، ويمكن تشديد العقوبة من سنتين إلى عشر سنوات، هذا بالنسبة للجنحة، أما بالنسبة للجناية فتتراوح العقوبة من 05 إلى 20 سنة[45].
ولم تكتف الجزائر بهذا فقط بل قامت بتنظيم العديد من الملتقيات والمؤتمرات كالملتقى التكويني للقضاة حول الرشوة وتبييض الأموال المنعقد في 04 مارس [46]2006، والذي دام 4 أيام، ولقد كان الدافع إلى هذا الفضائح المالية عبر العديد من المؤسسات المالية والبنكية، ولقد كان الهدف من الملتقى هو تمكين القضاة من تعميق المعارف القانونية و اكتساب مهارات متخصصة من شأنها أن تسمح لهم بدراسة الآليات التقنية و التنظيمية المتعلقة بتطبيق قانون مكافحة الفساد وقانون مكافحة الرشوة. ومن أجل مكافحة هذه الجرائم قام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بتشكيل لجنة لدراسة واقع الفساد في البلاد سنة 1999، كما تم انشاء المرصد الوطني لمكافحة الرشوة الذي ينشط إلى جانب بعض المؤسسات الدولية كفرع منظمة الشفافية الدولية والمنظمة الجزائرية لمحاربة الفساد.
ثانيا: جرائم تحويل المال العام: تعتبر جرائم تحويل المال العام وخاصة الاختلاسات من أهم الجرائم المرتبطة بالفساد فضلا عن ارتباطها بعمليات تبييض الأموال، وبما أن اختلاس الأموال يسمح بتوفر كميات كبيرة من النقد بين أبدي المختلسين والتي تكون فيما بعد محل التبييض، ونظرا للآثار التي تتركها هذه العمليات على كافة جوانب الحياة خاصة الاقتصادية و المالية منها، قام المشرع الجزائري بسن قوانين تعاقب هذا النوع من الجرائم وهو ما يتضح من خلال نص المادة 119 من قانون العقوبات بحيث تكون الجريمة جنحة إذا كان المبلغ المختلس أقل من 5.000.000 دج وتكون جناية إدا كان المبلغ المختلس 5.000.000دج أو أكثر. ورغم الجهود المبذولة في تعقب هذه الجريمة إلا أن الدراسات و الإحصائيات تشير إلى أن قيمة الأموال المختلسة في تصاعد مستمر وتأتي في مقدمة هذه الاختلاسات تلك الواقعة في البنوك، كفضيحة اختلاس 13200مليار سنتيم أي ما يعادل 1.5 مليار دولار من البنك الصناعي و التجاري، التي قام بها مديرو وكالة البنك التجاري والصناعي بوهران- علي خروبي- بالإضافة إلى اختلاس 3200مليار سنتيم [47]من البنك الوطني الجزائري واختلاس 2000مليار سنتيم[48] من وكالة بوزريعة لذات البنك.
وهذا دون أن ننسى الفضيحة رقم واحد في البلاد فضيحة بنك آل خليفة التي قام بها مالك المجمع "عبد المومن خليفة" والتي بلغت خسائرها 8700 مليار سنتيم أي ما يعادل 1.2 مليار دولار[49].
ثالثا: تجارة المخدرات: نظرا للمردود الضخم الذي تدره تجارة المخدرات، فإنها تعتبر من أهم مصادر عمليات التبييض، وعندنا في الجزائر لا أحد يعرف الحجم الحقيقي للأموال المتداولة في سوق المتاجرة غير المشروعة بالمخدرات.
رابعا: الإرهاب: إن الصلة بين الارهاب وعمليات تبييض الأموال تكمن في أن هذه الأخيرة ظاهرة تبحث عن مجال لها في شتى الميادين التي تسمح للقائمين عليها بالقيام بعمليات التبييض دون انكشاف أمرهم، فالمبيضون ينطلقون من المقولة التي تقول (الغاية تبرر الوسيلة) فمن منطلق المصلحة الشخصية نجدهم يتعاملون مع الإرهاب ومرتكبي الجرائم سواء بإمدادهم بالسلاح أو الأموال مقابل سلع وخدمات.
وعليه يمكن القول أن الإرهاب يعتبر مصدر من المصادر التي لا يستهان بها، بل يجب أخذه بعين الاعتبار كمصدر من مصادر الأموال المبيضة.
وقد أفاد تقرير عشيرة معمري من الجزائر لمغاربية 12/09/2009 أنه يُعتقد أن عائدات المخدرات وأنشطة أخرى منافية للقانون يتم غسلها واستخدامها لتمويل الجماعات الإرهابية في الجزائر وفي مناطق أخرى، ولذلك أتى فريق من الخبراء من أمريكا وفرنسا للعاصمة لمساعدة البلد في تعقب كيفية غسل الأموال عبر الشبكات الإجرامية لسد الفجوات في النظام البنكي بها.
المطلب الثاني: مكافحة طاهرة تبييض الأموال في الجزائر:
صادقت الجزائر على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات و المؤثرات العقلية –فيينا1988- بموجب المرسوم رقم 95/41 المؤرخ في 28 جانفي 1995 وتنفيذا لالتزاماتها ونظرا لما عاشته من مآسي في العشرية الأخيرة من القرن العشرين وما أفرزته من آثار سلبية على كل المستويات، مما سهل تنامي الفساد الإداري والرشوة و تجارة المخدرات إضاقة إلى التهرب الضريبي أصبح لزاما على المشرع الجزائري تجريم ظاهرة تبييض الأموال.
ورغم مصادقة الجزائر المبكرة على اتفاقية فيينا 1988 إلا أن المشرع الجزائري لم يتفطن لتجريم الظاهرة إلا مؤخرا ويظهر ذلك جليا من خلال القانون 66/156 المتضمن قانون العقوبات، أين جرم عمليات التبييض بموجب المادة 389 مكرر وما يليها منه.
وفيما يلي الجزاء المترتب على هذه الجريمة الاقتصادية:
أولا: بالنسبة للأشخاص الطبيعيين:
1. يعاقب كل من قام بتبييض الأموال بالحبس من 5 إلى 10 سنوات وبغرامة من 1.000.000دج إلى 3.000.000دج[50].
2. يعاقب كل من يرتكب جريمة تبييض الأموال على سبيل الاعتياد أو باستعمال التسهيلات التي يمنحها نشاط مهني أو في إطار جماعة اجرامية بالحبس من 10 إلى 15 سنة و بغرامة من 4.000.000 إلى 8.000.000دج[51].
3. يعاقب على المحاولة في ارتكاب جريمة تبييض الأموال بالعقوبات المقررة للجريمة التامة[52].
4. تحكم الجهة القضائية المختصة بمصادرة الأملاك موضوع جريمة تبييض الأموال بما فيها العائدات و الفوائد الأخرى الناتجة عنها، في أي يد كانت إلا إذا أثبت مالكها أنه يحوزها بموجب سند شرعي وأنه لم يكن يعلم بمصدرها غير المشروع، ويمكن الحكم بمصادرة الأموال محل الجريمة عندما يبقى مرتكبو التبييض مجهولين.
5. إذا اندمجت عائدات جناية أو جنحة مع الأموال المتحصل عليها بطريقة شرعية فإن مصادرة الأموال لا يمكن أن تكون إلا بمقدار هذه العائدات، كما يتم مصادرة الوسائل والمعدات المستعملة في ارتكاب جريمة تبييض الأموال وإذا تعدر تقديم أو حجز الممتلكات محل المصادرة فإنه يتم القضاء بعقوبة مالية تساوي قيمة هذه الممتلكات.
ثانيا: بالنسبة للأشخاص المعنوية:
1. يعاقب الشخص المعنوي الذي يرتكب جريمة تبييض الأموال طبقا لنص المادتين 389 مكرر1 و 389 مكرر2 بالعقوبات التالية:
2. غرامة لا يمكن أن تقل عن 04 مرات الحد الأقصى للغرامة المنصوص عليها في المادتين السالفتين الذكر؛
3. مصادرة الممتلكات والعائدات التي تم تبييضها؛
4. مصادرة الوسائل و المعدات التي استعملت في ارتكاب الجريمة؛
هذا بالإضافة إلى عقوبات أخرى.
ولم يكتفي المشرع الجزائري بمعاقبة القائمين بهذه الجريمة فقط، بل قام أيضا بمعاقبة كل من يخفي عمليات التبييض بما فيهم مسيرو و أعوان البنوك والمؤسسات المالية، وذلك بموجب القانون رقم 05/01 المؤرخ في 06 فيفري 2005 والذي ينص على[53]:
1. يعاقب كل من بدفع أو يقبل دفعا خارقا لأحكام المادة 6 من نفس القانون، يعاقب بغرامة من 50.000 إلى 500.000 دج.
2. معاقبة كل خاضع يتمتع عمدا وبسابق معرفة عن تحرير أو إرسال الإخطار بالشبهة المنصوص عليها في هذا القانون بغرامة من 100.000 إلى 1.000.000دج دون الإخلال بعقوبات أشد وبأية طرق تأديبية أخرى.
3. معاقبة مسيرو و أعوان الهيئات المالية الخاضعون للإخطار بالشبهة الذين أبلغوا عمدا صاحب الأموال أو العمليات موضوع الإخطار بالشبهة بوجود هذا الإخطار أو أطلعوه على المعلومات حول النتائج التي تخصه بغرامة من 200.000 إلى 2.000.000دج دون الإخلال بعقوبات أشد وبأي عقوبة تأديبية أخرى.
4. معاقبة مسيرو وأعوان البنوك والمؤسسات المالية المشابهة الأخرى الذين يخالفون عمدا وبصفة متكررة تدابير الوقاية من تبييض الأموال وتمويل الارهاب المنصوص عليها في المواد 7، 8، 9، 10، 11 من هذا القانون بغرامة من 50.000 إلى 1.000.000دج.
5. وتعاقب المؤسسات المالية المذكورة في هذه المادة بغرامة من 1.000.000دج إلى 5.000.000دج دون الإخلال بعقوبات أشد.
المطلب الثالث: دور البنوك الجزائرية في مكافحة تبييض الأموال:
مما لا شك فيه هو أن الدور الأول لمكافحة ظاهرة غسيل الأموال يعود إلى المصارف و البنوك التي تستطيع مراقبة الإيداع و السحب، لكن جل المصارف لا تتعاون مع العدالة بما فيه الكفاية للكشف عن هذه الظاهرة، وهذا من خلال الامتناع عن الابلاغ عن الحالات المشبوهة بحجة الحفاظ على مبدأ السرية المصرفية، إذن فالمصارف لا تكترث لبروتوكول التحقق من العمليات المالية المشبوهة خاصة ما تعلق بالودائع ذات المبالغ المقدرة بملايين الدولارات مما يجعلها تستقبلها بالرحب و السعة مفرطة بالمصلحة العامة والمتمثلة في مكافحة الظاهرة.
إذا فما هي خطى البنوك الجزائرية اتجاه مكافحة الظاهرة ؟
لقد باشرت البنوك التجارية ممثلة في البنك المركزي الجزائري تحت تقرير لممثلها محمد لكساسي[54] الذي يقول فيه أن البنوك التجارية ستباشر بداية من شهر جانفي نظام الدفع الفوري للإيداعات التي تزيد عن 100 مليون سنتيم وهذا تحت ما يعرف بالإصلاح البنكي الذي باشرته وزارة المالية، وهذا ما عرف باسم L’ARTS[55] حيث يسمح للأشخاص الذين يملكون حسابات بأكبر من 100 مليون سنتيم أن يقوموا بتحويل أرصدتهم إجباريا من صناديق البريد إلى البنوك وكذا فيما بين البنوك وهذا بعد إنشاء شبكة فيما بين البنوك حيث يسمح لأي متعامل أن يعرف قيمة حسابه في البنك المركزي، وهذا ما يعطي دفعة نوعية لمكافحة الظاهرة في الجزائر، بحيث أنه من لديه مبالغ مالية مغشوشة أو ذات مصدر غير شرعي لا يمكنه التهرب أو الإفلات بها بحيث تصبح معلومة المصدر، وبهذا فإن نظام L’ARTS يعد بمثابة شبكة بها تعرف كل مصادر الأموال كما قال مدير البنك الجزائري « tracabilité complète des opération de gros montants » فكل العمليات المالية ذات القيمة الكبرى تكون معلومة من قبل مصالح البنوك.
كما قد عقد مجلس يضع تحت حيز التنفيذ كل الميكانيزمات الضرورية لهذا النظام لمكافحة الظاهرة، كما أنه في النصوص التشريعية التي صادقت عليها الجزائر هناك تعاون من طرف السلطات الأوروبية لمساعدة المسؤولين الجزائريين في تطبيق ميكانيزمات المراقبة، أنظمة AUDIT والتحقق.
كما اقترحت الحكومة الجزائرية إنشاء لجنة معالجة المعلومات المالية CTRF[56] التي نصبت خلايا المراقبة في وسط البنوك و المصارف وCNEP قامت بتوظيف 50 إطارا لمكافحة ومتابعة حيثيات الظاهرة في ديسمبر 2005.
وإن شروط نجاح المكافحة في المرحلة الأولى لها تتطلب دورا متيقظا من المصارف وعدم إخفاء أي محاولة لتبييض الأموال علاوة على ذلك الاحتراز والتعاون مع السلطات وذلك من خلال:
1. معرفة الزبون والتحرك لاتقاء مخاطر عمليات التبييض.
2. متابعة حركات رؤوس الأموال والعمليات المشبوهة والتبليغ عنها إلى دائرة مكلفة بمركز العمليات.
3. احصاء العمليات غير المألوفة و الشاذة ابتداءا من مبلغ معين.
4. توعية موظفي المصارف وتدريبهم على معرفة تقنيات المكافحة، وذلك من خلال عقد ندوات تدريبية محليا و عالميا، بالإضافة إلى تدريب العاملين في الهيكل المالي على العمليات المشبوهة و المشكوك فيه شرعيتها.
خاتمة:
إن طبيعة غسيل الأموال والمصالح الهائلة التي ترتبط بها يجعل منها ظاهرة من الصعب استئصالها، لكن يبقى ذلك ممكنا إدا تحقق التعاون الدولي على نطاق واسع وبالتالي إضعاف العصابات و القوى المستفيدة منها ومحاربة غسل الأموال تحتاج إلى تظافر كافة الأطراف وسد كافة الثغرات حتى يصبح ممكنا حصر الظاهرة والقضاء عليها بالمعنى الفعلي، ومادامت هناك ثغرات كبيرة متمثلة في حكومات غير متعاونة أو فساد متأصل أو دكتاتوريات لا رقابة عليها أو حروب إقليمية وفوضى أو ثغرات قانونية هنا و هناك فإن متعهدي الظاهرة سيجدون دوما وسيلة لاستغلال تلك الثغرات والمضي قدما في نشاطهم الذي تغلغل عمليا في كافة نواحي المجتمعات بما في ذلك المجتمعات المتقدمة، كما أن العصر الالكتروني في نظر البعض سيجعل غسيل الأموال مهنة أكثر تطورا.
إذا نرى أنه من الضروري إنشاء قائمة دولية للمدانين في جرائم المخدرات وغسيل الأموال و أصحاب السوابق و المشبوهين تشمل الأفراد والمؤسسات و الشركات بحيث يتم تغذية هاته القوائم من قبل وزارات العدل والداخلية بين دول العالم.






via منتدى منتديات عالم الزين http://ift.tt/1nigxyD

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire