عيسى عليه السلام معلومات ومواصفات مختصره عيسى عليه السلام معلومات ومواصفات مختصره
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
هو السيِّد المسيح عيسى بن مريـم (ع)، وهو آخر أنبياء بني إسرائيل، اسمه «عيسى» ولقبه «المسيح»، ويكنى ابن مريـم نسبة إلى أمّه مريـم بنت عمران، لأنَّه ولد من غير أب،وقد جاء في القرآن ] ما المسيح بن مريـم إلاَّ رسولٌ قد خلت من قبله
الرُسل وأمّه صدّيقة...[ (المائدة:75)
وهو عبد اللّه ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريـم البتول العذراء، الطاهرة العفيفة التي أحصنت فرجها]وصدقت بكلمات ربِّـها وكتبه وكانت من القانتين[ (التحريـم:12).
الولادة والكفالة:
كان عمران أبو مريـم رجلاً عظيماً في بني إسرائيل، وتقدّم السنّ بزوجته العاقر فلم تنجب له ولداً، فدعت اللّه إن رزقت صبياً أن تجعله وقفاً على طاعة اللّه وخدمة بيته المقدّس، فأجاب اللّه دعاءها، ورزقت بمريـم(ع) التي دعت اللّه أن يحفظها ويحصّن نسلها من غواية الشيطان ] ربِّ إنّي وضعتها أنثى واللّه أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإنّي سميتها مريـم وإنّي أعيذك بها وذريتها من الشيطان الرجيم[ (آل عمران:136).
توفي عمران، ومريـم(ع) صغيرة السن، وهي بحاجة لمن يقوم بكفالتها وتربيتها فلمّا قدّمتها أمّها إلى رعاة الهيكل اختلفوا فيمن يقوم برعايتها وألقوا على ذلك قرعة، فوقعت على زكريا وكفلها واتخذ لها محراباً لا يدخل عليه أحد سواه.
وقصة زكريا مشابهة لقصة عمران حيثُ تقدّمت به السن، وكانت زوجته عاقراً، فدعا اللّه أن يرزقها ولداً لمواصلة الدعوة التي كان يقوم بتبليغها خاصة بعد ظهور بوادر الانحلال والفساد في قومه، ولكن كيف!! وهو رجل طاعن في السن وزوجته عاقراً ] قال ربِّ أنّى يكون لي غلامٌ وكانت امرأتي عاقرٌ وقد بلغت من الكبر عتيا[ (مريـم:8).ولكن اللّه استجاب دعاءه وبشره بغلام أسماه «يحيى» ] يا زكريا إنّا نبشرك بغلام اسمه يحيى لـم نجعل له من قبل سميا[ (مريـم:7).
زكريا هذا الرّجل الصالح المؤمن باللّه وجه مريـم(ع) وجهة عبادية صحيحة، واستمر في رعايته لها حتّى رأى منها شيئاً عجباً، عندما دخل عليها وهي في المحراب، رزقاً لـم يأتـها به، إذ لا بُدَّ أن يكون هذا الطعام قد جاء من مصدر ما كما أشارت مريـم إلى ذلك ] وكفلها زكريا كلّما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريـم أنّى لك هذا قالت هو من عند اللّه إنَّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب[ (آل عمران:37).
العبادة والبشارة بالمولود:
نشأت مريـم في المحراب، تواظب على عبادتها وتجتهد، حتّى بلغت مبلغ النساء، فظهرت عليها آثار التُّقى والعفة والطهارة، ما جعل الملائكة تبشرها بالطهارة والصفاوة واصطفائها على نساء العالمين، وحضتها على المواظبة في عبادتها، بأن تقنت وتسجد وتركع مع الراكعين ] إذ قالت الملائكة يا مريـم إنَّ اللّه اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين * يا مريـم اقنتـي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين[ (آل عمران:42ـ43) وبشرها بكلمة، ولكنَّها ليست كلمات تتكوّن من مجموعة حروف، بل هي الوجود المتفجّر بالحياة النابض بالحركة، الذي يمثِّل إرادة اللّه في التكوين المعبّر عنها لإيضاح الفكرة بالأمر الإلهي في كلمة «كن» وبذلك تتحوّل الكلمة ـ الإرادة إلى إنسان اسمه المسيح عيسى بن مريـم (ع) وكلمة المسيح فهي على الأرجح تعني مقرّبة، أي المبارك أو الملك أو ما يقرب من ذلك، كما يقول المفسِّرون، وقد جاء في قوله تعالى: ] إذ قالت الملائكة يا مريـم إنَّ اللّه يُبشرك بكلمة منه اسمـه المسيح عيسى بن مريـم[ (آل عمران:45).
كانت مريـم وقفاً على سدانة المعبد وخدمته والعبادة فيه، فعاشت في عزلة عن النّاس، وبينما هي كذلك جاءها جبريل (ع) متمثّلاً لها بهيئة بشر كي تستأنس به ولما رأته حسبته آدمياً يريد بها السوء، وهي العفيفة الطاهرة ] فأرسلنا إليها روحنا فيتمثّل لها بشراً سوياً[ (مريـم:17) وأخذت
تبتعد عنه وهي تخشى أن يهمّ بها بسوء وهي في مكان ليس فيه منقذ أو نصير ]قالت إنّي أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً[ (مريـم:18) حيثُ لـم يخطر على بالها أنَّه ملاك فردّ الملاك مطمئناً ] قال إنَّما أنا رسول ربّك لأهب لك غلاماً زكياً[ (مريـم:19).
وهنا فوجئت مريـم(ع) وتعجبت من قول الملاك حين بشرها بالغلام، فهي امرأة بكر لـم تتزوج، كبقية المتزوجات ولـم يكن لها علاقة زوجية لتنجب ولداً، ولـم تنحرف فهي العذراء العفيفة التي لـم تدخل في عالـم الآثام ] قالت أنّى يكون لي غلام ولـم يمسسني بشرٌ ولـم أكُ بغيا[ (مريـم:20) وقد كان جوابه لها أنَّها إرادة اللّه ومشيئته، فهو جلّ ثناؤه لا يعجزه شيء، وإذا أراد أمراً فإنَّما يقول له كن فيكون ] قال كذلك قال ربّك هو عليّ هيّن ولنجعله آية للنّاس ورحمة منّا وكان أمراً قضيا[ (مريـم:21).
حملت مريـم منذ اللحظة التي نفخ فيها الملك جبريل، ما جعل التخيلات والأفكار تحوم في مخيلتها عمّا سيقوله النّاس عنها، فاضطربت وخافت على مصيرها، فمالت إلى العزلة في مكانٍ بعيد عن النّاس ] فحملته فانتبذت به مكان قصيا[ (مريـم:22).
] فأجأها المخاض إلى جذع النخلة[ ، وهنا رأت أنَّها في موقفٍ صعب لا تستطيع مواجهته، فأطلقت صرخة الاستغاثة النابعة من حالة الخوف التي ملأت كيانها ووجدانها، خاصة وأنَّ النّاس لا يعرفون سرّ الإعجاز الإلهي، ما يجعلها مهدّدة في مجتمعها بسمعتها وكرامتها وموقعها وهكذا ] قالت يا ليتني متُ قبل هذا وكنت نسياً منسياً[ (مريـم:23)، وكعادته نزل جبريل ليطمأنها بأنَّ اللّه وحده هو الكافل لها ولرزقها، وأشار عليها أن تهزّ بجذع النخلة التي لا ثمر فيها فيتساقط عليها رطباً شهياً، فتأكل هنيئاً، وتشرب من الجدول الذي يجري تحتها ] فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربّك تحتك سريا * وهزي إليك بجزع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً * فكلي واشربي وقرّي عيناً[ (مريـم:24ـ26).
خرجت السيِّدة مريـم(ع) من عزلتها بعد الولادة، فكان خروجها بالطفل مفاجأة لكلّ من يعرف نسكها وعبادتها، فاتهموها، فاعتصمت بوصية جبريل ولزمت الصمت، وأشارت إلى وليدها الرضيع ليكلّم القوم، فاشتدّ غضبهم، ولكنَّ عيسى (ع) لجم غضبهم وكلّمهم في أمر أمّه، فبـرّأها من التهمة التي ألصقت بها بقوله: ] إنّي عبد اللّه آتاني الكتاب وجعلني نبيّاً * وجعلني مباركاً أينما كنتُ وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيّاً * وبرّاً بوالدتي ولـم يجعلني جبّاراً شقياً * والسَّلام عليَّ يومَ ولدتُ ويوم أموت ويوم أُبعث حيّا[ (مريـم:30ـ33).
على هذه الصورة قدّم عيسى(ع) نفسه إلى النّاس الذين أنكروا على والدته أمرها، وبالرغم من ذلك فقد تـمّ الاختلاف حول قصة ولادته، وفي طبيعته البشرية، وفي رسالته ] ذلك عيسى بن مريـم قول الحقّ الذي فيه يمترون[ (مريـم:34) فادّعى البعض بأنّ عيسى هو ابن اللّه وأنَّ اللّه اتخذه ولداً، واللّه هو الغنيّ الحميد الذي ليس بحاجة لأحد، وقد جاء في قوله تعالى: ] ما كان للّه أن يتخذ من ولد[ (المؤمنون:91).
واجه عيسى (ع) هذه الفكرة ودعا النّاس إلى عبادة اللّه وتأكيد العبودية له سبحانه وتعالى: ] وإنَّ اللّه ربّي وربّكم فاعبدوه[ فاخضعوا له، ونفذوا أوامره، وابتعدوا عن نواهيه، في كلّ جوانب الحياة من أجل إرساء أسس الحق، ومن أجل السير في الطريق القويـم] هذا صراطٌ مستقيم[ (مريـم:36) لأنَّه يشرّع للنّاس ما فيه صلاحهم ويُبعدهم عمّا يفسد حياتهم ويدفعهم إلى التوازن في كلّ الأمور حيث الانحراف في التصوّرات والسلوك وكلّ أنواع العلاقات في مسألة صلب المسيح فقد أخبر عنها القرآن، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهي أنَّ اللّه عزَّ وجلّ نجّى (عيسى) من كيد اليهود، ورفعه إليه حيّاً.
لقد شكّ (الحواريون) كما شكّ (اليهود) في أمر عيسى واختلفوا فيه اختلافاً كبيراً، فمن هو المصلوب يا ترى؟ أهو (عيسى) المسيح أم (يهوذا) الأسخريوطي؟ وذلك لأنَّ ذلك الخائن لما دلّهم على مكانه طلب من اليهود أن يدخل أمامهم، ولـم يكن في ذلك المكان غير عيسى بن مريـم(ع)، فلمّا ألقى اللّه شبهه عليه، ورفع عيسى إلى السَّماء، دخل اليهود فلم يجدوا غير إنسانٍ واحد هو (يهوذا) الذي ألقى اللّه شبه عيسى عليه فقالوا: إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا؟ وإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى؟ وأخذوه ليصلبوه وهو يقول لهم: أنا (يهوذا) ولست عيسى فيضحكون من كلامه ويقولون: تكذب علينا أنت (يسوع) أي عيسى فصلبوه وهم في شكّ من أمره وفي اضطراب واختلاف. وقد ردَّ القرآن الكريـم على اليهود في موضوع (الصلب والفداء) فقال سبحانه:] وبكفرهم وقولهم على مريـم بهتاناً عظيماً وقولهم إنّا قتلنا المسيح عيسى بن مريـم رسول اللّه وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبّه لهم وإنَّ الذين اختلفوا فيه لفي شكّ منه ما لهم به من علم إلاَّ اتّباع الظنّ وما قتلوه يقيناً بل رفعـه اللّه إليه وكان اللّه عزيزاً حكيماً[ (النساء:157ـ158)
بالإضافه الى
إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونشكره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضدَ ولا ندَّ له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه، صلى الله وسلم عليه وعلى كل رسول أرسله.
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ القدير القائل في محكم كتابه : ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ ءال عمران 45- 46 .
إخوة الإيمان، حدثناكم في الخطبة الماضية عن نبي من أنبياء الله وهو سيدنا لوط عليه السلام، ويطيب لنا اليوم أن نتكلم عن نبي كريم زاهد خلقه الله تعالى من غير أبٍ فقد جاء في القرءان العظيم: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ ءال عمران 59.
وأمه مريم التي وصفها الله تعالى في القرءان الكريم بالصدّيقة والتي نَشأت نَشْأة طُهر وعفاف وتربّت على التقوى تؤدّي الواجبات وتكثر من نوافل الطاعات والتي بشّرتها الملائكة باصطفاء الله تعالى لها من بين سائر النساء وبتطهيرها من الأدناس والرذائل.
﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ﴾ ءال عمران 42.
وذات يوم خرجت مريم الصدِّيقة من محرابها الذي كانت تعبد الله تعالى فيه فأرسل الله إليها جبريل عليه السلام متشكِّلاً بشكل شابٍّ أبيضَ الوجه.
وللملاحظة إخوة الإيمان، الملائكة ليسوا ذكورًا ولا إناثًا إنما يتشكَّلون بهيئة الذكر من دون ءالة الذكورية ولا يأكلون ولا يشربون لا يتناكحون ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
مريم لَمّا رأت جبريل عليه السلام متشكِّلاً في صورة شابٍّ أبيض الوجه لم تعرفه ففزعت منه واضطربت وخافت على نفسها منه وقالت ما أخبر الله به: ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً﴾ سورة مريم/18. أي إن كنت تقيا مطيعًا فلا تتعرض لي بسوء.
فقال لها أن الله أرسله إليها ليهبها ولدًا صالحًا طاهرًا من الذنوب. فقالت مريم: أنى يكون لي غلام ولم يقربني زوج ولم أكن فاجرة زانية؟ فأجابها جبريل عليه السلام عن تعجّبها بأنّ خَلْقَ ولد من غير أبٍ سهلٌ هيِّنٌ على الله تعالى، وجعله علامة للناس ودليلاً على كمال قدرته سبحانه وتعالى وليجعله رحمة ونعمة لمن ابتعه وصدّقه وءامن به .
يقول رب العزّة في القرءان العظيم: ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً﴾ سورة مريم 22-23-24-25-26.
نفخ جبريل عليه السلام في جيب درعها فحملت بعيسى عليه السلام ثم تنحت بحملها بعيدًا خوف أن يعيّرها الناس بولادتها من غير زوج، ثم ألجأها وجع الولادة إلى ساق نخلة يابسة وتمنّت الموت خوفًا من أذى الناس، وناداها جبريل من عليه السلام من مكان من تحتها من أسفل الجبل يطمئنها ويخبرها أنّ الله تبارك وتعالى جعل تحتها نهرًا صغيرا ويطلب منها أن تهزّ جذع النخلة ليتساقط عليها الرطب الجنيّ الطريّ وأن تأكل وتشرب مما رزقها الله وأن تقرّ عينها وأن تقول لمن رءاها وسألها عن ولدها إني نذرت للرحمن أن لا أكلّم أحدًا.
أتت السيدة مريم عليها السلام قومها تحمل مولودها عيسى عليه السلام على يدها في بيت لحم. ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً﴾ مريم/27.
قالوا لها: لقد فعلتِ فعلة منكرة عظيمة، ظنوا بها السوء وصاروا يوبخونها ويؤذونها وهي ساكتة لا تجيب لأنها أخبرتهم أنها نذرت للرحمن صومًا، ولما ضاق بها الحال أشارت إلى عيسى عليه السلام. عندها قالوا لها ما أخبر الله به بقوله: ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً﴾ مريم/29 .
عند ذلك أنطق الله تعالى بقدرته سيّدنا عيسى وكان رضيعًا. ﴿قَالَ إِنِِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً﴾ مريم 30-31. اعتراف بالعبودية لله العزيز القهار، هذا أول ما نطق به عليه السلام وهو في المهد قال: ﴿إِنِِّي عَبْدُ اللَّهِ﴾ وقوله: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً﴾ أي جعلني نفاعًا معلّمًا للخير حيثما توجهت.
إخوة الإيمان، يقول الله تعالى في القرءان العظيم: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ سورة الصف/6 .
دعا عيسى قومه إلى الإسلام إلى عبادة الله وحده وعدم الإشراك به شيئًا ولكنهم كذّبوه وحسدوه وقالوا عنه ساحر ولم يؤمن به إلا القليل .
والله نسأل الثبات على دين الأنبياء دين الإسلام العظيم .
هذا وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية: التحذير من قول بعض الناس "يا عبدي إسعَ لأسعى معك"
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى كل رسول أرسله.
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ القدير القائل في محكم كتابه: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ الشورى/11 .
فلما كانت هذه الآية هي أصرح ءاية في القرءان في تنْزيه الله تعالى عن مشابهة خلقه، ولَمّا انتشر التشبيه والكلام الذي مؤدّاه تشبيه لله بخلقه والعياذ بالله كان لا بد من التذكير بها وبما احتوت عليه من المعاني العظيمة. فربنا لا يوصف بأنه جسم ولا بصفات الجسم، ربنا ليس جسمًا كثيفا كالبشر والحجر والشجر، وليس جسمًا لطيفًا كالنور والظلام والهواء، والله لا يوصف بصفات الجسم كالحركة والسكون والاتصال والانفصال "مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك" . أي لا يشبه ذلك.
فاحذروا عباد الله وحذّروا من عبارة يقولها بعض الناس وهي "إسعَ يا عبدي لأسعى معك". العبد هو الذي يسعى، نعم، أما الله تعالى لا يوصف بصفات خلقه. أما من قال هذه الكلمة ولا يفهم منها نسبة الحركة إلى الله، لا يفهم منها أنّ الله يسعى كالبشر بل يفهم منها أنت اعمل في الأسباب أساعدك في الحصول على الرزق فلا يكفر، ولكن طبعًا يُنهى عن هذه الكلمة.
إخوة الإيمان، من الناس من صار ينتظر بشوق سماع الخطبة الثانية ليحذر من مثل هذه العبارات، ومن الناس من يدوّن هذه العبارات للتحذير منها، ومن الناس من يتشهّد لأنه يعرف من نفسه أنه صدر منه ما أخرجه عن دين الله. فجزى الله عنا خيرًا من علّمنا وأرشدنا وحثّنا على وضع هذه العبارات للتحذير منها في الخطبة الثانية .
واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ:﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ اللّـهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾، اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.
م/ن
بالتوفيق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
هو السيِّد المسيح عيسى بن مريـم (ع)، وهو آخر أنبياء بني إسرائيل، اسمه «عيسى» ولقبه «المسيح»، ويكنى ابن مريـم نسبة إلى أمّه مريـم بنت عمران، لأنَّه ولد من غير أب،وقد جاء في القرآن ] ما المسيح بن مريـم إلاَّ رسولٌ قد خلت من قبله
الرُسل وأمّه صدّيقة...[ (المائدة:75)
وهو عبد اللّه ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريـم البتول العذراء، الطاهرة العفيفة التي أحصنت فرجها]وصدقت بكلمات ربِّـها وكتبه وكانت من القانتين[ (التحريـم:12).
الولادة والكفالة:
كان عمران أبو مريـم رجلاً عظيماً في بني إسرائيل، وتقدّم السنّ بزوجته العاقر فلم تنجب له ولداً، فدعت اللّه إن رزقت صبياً أن تجعله وقفاً على طاعة اللّه وخدمة بيته المقدّس، فأجاب اللّه دعاءها، ورزقت بمريـم(ع) التي دعت اللّه أن يحفظها ويحصّن نسلها من غواية الشيطان ] ربِّ إنّي وضعتها أنثى واللّه أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإنّي سميتها مريـم وإنّي أعيذك بها وذريتها من الشيطان الرجيم[ (آل عمران:136).
توفي عمران، ومريـم(ع) صغيرة السن، وهي بحاجة لمن يقوم بكفالتها وتربيتها فلمّا قدّمتها أمّها إلى رعاة الهيكل اختلفوا فيمن يقوم برعايتها وألقوا على ذلك قرعة، فوقعت على زكريا وكفلها واتخذ لها محراباً لا يدخل عليه أحد سواه.
وقصة زكريا مشابهة لقصة عمران حيثُ تقدّمت به السن، وكانت زوجته عاقراً، فدعا اللّه أن يرزقها ولداً لمواصلة الدعوة التي كان يقوم بتبليغها خاصة بعد ظهور بوادر الانحلال والفساد في قومه، ولكن كيف!! وهو رجل طاعن في السن وزوجته عاقراً ] قال ربِّ أنّى يكون لي غلامٌ وكانت امرأتي عاقرٌ وقد بلغت من الكبر عتيا[ (مريـم:8).ولكن اللّه استجاب دعاءه وبشره بغلام أسماه «يحيى» ] يا زكريا إنّا نبشرك بغلام اسمه يحيى لـم نجعل له من قبل سميا[ (مريـم:7).
زكريا هذا الرّجل الصالح المؤمن باللّه وجه مريـم(ع) وجهة عبادية صحيحة، واستمر في رعايته لها حتّى رأى منها شيئاً عجباً، عندما دخل عليها وهي في المحراب، رزقاً لـم يأتـها به، إذ لا بُدَّ أن يكون هذا الطعام قد جاء من مصدر ما كما أشارت مريـم إلى ذلك ] وكفلها زكريا كلّما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريـم أنّى لك هذا قالت هو من عند اللّه إنَّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب[ (آل عمران:37).
العبادة والبشارة بالمولود:
نشأت مريـم في المحراب، تواظب على عبادتها وتجتهد، حتّى بلغت مبلغ النساء، فظهرت عليها آثار التُّقى والعفة والطهارة، ما جعل الملائكة تبشرها بالطهارة والصفاوة واصطفائها على نساء العالمين، وحضتها على المواظبة في عبادتها، بأن تقنت وتسجد وتركع مع الراكعين ] إذ قالت الملائكة يا مريـم إنَّ اللّه اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين * يا مريـم اقنتـي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين[ (آل عمران:42ـ43) وبشرها بكلمة، ولكنَّها ليست كلمات تتكوّن من مجموعة حروف، بل هي الوجود المتفجّر بالحياة النابض بالحركة، الذي يمثِّل إرادة اللّه في التكوين المعبّر عنها لإيضاح الفكرة بالأمر الإلهي في كلمة «كن» وبذلك تتحوّل الكلمة ـ الإرادة إلى إنسان اسمه المسيح عيسى بن مريـم (ع) وكلمة المسيح فهي على الأرجح تعني مقرّبة، أي المبارك أو الملك أو ما يقرب من ذلك، كما يقول المفسِّرون، وقد جاء في قوله تعالى: ] إذ قالت الملائكة يا مريـم إنَّ اللّه يُبشرك بكلمة منه اسمـه المسيح عيسى بن مريـم[ (آل عمران:45).
كانت مريـم وقفاً على سدانة المعبد وخدمته والعبادة فيه، فعاشت في عزلة عن النّاس، وبينما هي كذلك جاءها جبريل (ع) متمثّلاً لها بهيئة بشر كي تستأنس به ولما رأته حسبته آدمياً يريد بها السوء، وهي العفيفة الطاهرة ] فأرسلنا إليها روحنا فيتمثّل لها بشراً سوياً[ (مريـم:17) وأخذت
تبتعد عنه وهي تخشى أن يهمّ بها بسوء وهي في مكان ليس فيه منقذ أو نصير ]قالت إنّي أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً[ (مريـم:18) حيثُ لـم يخطر على بالها أنَّه ملاك فردّ الملاك مطمئناً ] قال إنَّما أنا رسول ربّك لأهب لك غلاماً زكياً[ (مريـم:19).
وهنا فوجئت مريـم(ع) وتعجبت من قول الملاك حين بشرها بالغلام، فهي امرأة بكر لـم تتزوج، كبقية المتزوجات ولـم يكن لها علاقة زوجية لتنجب ولداً، ولـم تنحرف فهي العذراء العفيفة التي لـم تدخل في عالـم الآثام ] قالت أنّى يكون لي غلام ولـم يمسسني بشرٌ ولـم أكُ بغيا[ (مريـم:20) وقد كان جوابه لها أنَّها إرادة اللّه ومشيئته، فهو جلّ ثناؤه لا يعجزه شيء، وإذا أراد أمراً فإنَّما يقول له كن فيكون ] قال كذلك قال ربّك هو عليّ هيّن ولنجعله آية للنّاس ورحمة منّا وكان أمراً قضيا[ (مريـم:21).
حملت مريـم منذ اللحظة التي نفخ فيها الملك جبريل، ما جعل التخيلات والأفكار تحوم في مخيلتها عمّا سيقوله النّاس عنها، فاضطربت وخافت على مصيرها، فمالت إلى العزلة في مكانٍ بعيد عن النّاس ] فحملته فانتبذت به مكان قصيا[ (مريـم:22).
] فأجأها المخاض إلى جذع النخلة[ ، وهنا رأت أنَّها في موقفٍ صعب لا تستطيع مواجهته، فأطلقت صرخة الاستغاثة النابعة من حالة الخوف التي ملأت كيانها ووجدانها، خاصة وأنَّ النّاس لا يعرفون سرّ الإعجاز الإلهي، ما يجعلها مهدّدة في مجتمعها بسمعتها وكرامتها وموقعها وهكذا ] قالت يا ليتني متُ قبل هذا وكنت نسياً منسياً[ (مريـم:23)، وكعادته نزل جبريل ليطمأنها بأنَّ اللّه وحده هو الكافل لها ولرزقها، وأشار عليها أن تهزّ بجذع النخلة التي لا ثمر فيها فيتساقط عليها رطباً شهياً، فتأكل هنيئاً، وتشرب من الجدول الذي يجري تحتها ] فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربّك تحتك سريا * وهزي إليك بجزع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً * فكلي واشربي وقرّي عيناً[ (مريـم:24ـ26).
خرجت السيِّدة مريـم(ع) من عزلتها بعد الولادة، فكان خروجها بالطفل مفاجأة لكلّ من يعرف نسكها وعبادتها، فاتهموها، فاعتصمت بوصية جبريل ولزمت الصمت، وأشارت إلى وليدها الرضيع ليكلّم القوم، فاشتدّ غضبهم، ولكنَّ عيسى (ع) لجم غضبهم وكلّمهم في أمر أمّه، فبـرّأها من التهمة التي ألصقت بها بقوله: ] إنّي عبد اللّه آتاني الكتاب وجعلني نبيّاً * وجعلني مباركاً أينما كنتُ وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيّاً * وبرّاً بوالدتي ولـم يجعلني جبّاراً شقياً * والسَّلام عليَّ يومَ ولدتُ ويوم أموت ويوم أُبعث حيّا[ (مريـم:30ـ33).
على هذه الصورة قدّم عيسى(ع) نفسه إلى النّاس الذين أنكروا على والدته أمرها، وبالرغم من ذلك فقد تـمّ الاختلاف حول قصة ولادته، وفي طبيعته البشرية، وفي رسالته ] ذلك عيسى بن مريـم قول الحقّ الذي فيه يمترون[ (مريـم:34) فادّعى البعض بأنّ عيسى هو ابن اللّه وأنَّ اللّه اتخذه ولداً، واللّه هو الغنيّ الحميد الذي ليس بحاجة لأحد، وقد جاء في قوله تعالى: ] ما كان للّه أن يتخذ من ولد[ (المؤمنون:91).
واجه عيسى (ع) هذه الفكرة ودعا النّاس إلى عبادة اللّه وتأكيد العبودية له سبحانه وتعالى: ] وإنَّ اللّه ربّي وربّكم فاعبدوه[ فاخضعوا له، ونفذوا أوامره، وابتعدوا عن نواهيه، في كلّ جوانب الحياة من أجل إرساء أسس الحق، ومن أجل السير في الطريق القويـم] هذا صراطٌ مستقيم[ (مريـم:36) لأنَّه يشرّع للنّاس ما فيه صلاحهم ويُبعدهم عمّا يفسد حياتهم ويدفعهم إلى التوازن في كلّ الأمور حيث الانحراف في التصوّرات والسلوك وكلّ أنواع العلاقات في مسألة صلب المسيح فقد أخبر عنها القرآن، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهي أنَّ اللّه عزَّ وجلّ نجّى (عيسى) من كيد اليهود، ورفعه إليه حيّاً.
لقد شكّ (الحواريون) كما شكّ (اليهود) في أمر عيسى واختلفوا فيه اختلافاً كبيراً، فمن هو المصلوب يا ترى؟ أهو (عيسى) المسيح أم (يهوذا) الأسخريوطي؟ وذلك لأنَّ ذلك الخائن لما دلّهم على مكانه طلب من اليهود أن يدخل أمامهم، ولـم يكن في ذلك المكان غير عيسى بن مريـم(ع)، فلمّا ألقى اللّه شبهه عليه، ورفع عيسى إلى السَّماء، دخل اليهود فلم يجدوا غير إنسانٍ واحد هو (يهوذا) الذي ألقى اللّه شبه عيسى عليه فقالوا: إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا؟ وإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى؟ وأخذوه ليصلبوه وهو يقول لهم: أنا (يهوذا) ولست عيسى فيضحكون من كلامه ويقولون: تكذب علينا أنت (يسوع) أي عيسى فصلبوه وهم في شكّ من أمره وفي اضطراب واختلاف. وقد ردَّ القرآن الكريـم على اليهود في موضوع (الصلب والفداء) فقال سبحانه:] وبكفرهم وقولهم على مريـم بهتاناً عظيماً وقولهم إنّا قتلنا المسيح عيسى بن مريـم رسول اللّه وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبّه لهم وإنَّ الذين اختلفوا فيه لفي شكّ منه ما لهم به من علم إلاَّ اتّباع الظنّ وما قتلوه يقيناً بل رفعـه اللّه إليه وكان اللّه عزيزاً حكيماً[ (النساء:157ـ158)
بالإضافه الى
إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونشكره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضدَ ولا ندَّ له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه، صلى الله وسلم عليه وعلى كل رسول أرسله.
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ القدير القائل في محكم كتابه : ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ ءال عمران 45- 46 .
إخوة الإيمان، حدثناكم في الخطبة الماضية عن نبي من أنبياء الله وهو سيدنا لوط عليه السلام، ويطيب لنا اليوم أن نتكلم عن نبي كريم زاهد خلقه الله تعالى من غير أبٍ فقد جاء في القرءان العظيم: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ ءال عمران 59.
وأمه مريم التي وصفها الله تعالى في القرءان الكريم بالصدّيقة والتي نَشأت نَشْأة طُهر وعفاف وتربّت على التقوى تؤدّي الواجبات وتكثر من نوافل الطاعات والتي بشّرتها الملائكة باصطفاء الله تعالى لها من بين سائر النساء وبتطهيرها من الأدناس والرذائل.
﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ﴾ ءال عمران 42.
وذات يوم خرجت مريم الصدِّيقة من محرابها الذي كانت تعبد الله تعالى فيه فأرسل الله إليها جبريل عليه السلام متشكِّلاً بشكل شابٍّ أبيضَ الوجه.
وللملاحظة إخوة الإيمان، الملائكة ليسوا ذكورًا ولا إناثًا إنما يتشكَّلون بهيئة الذكر من دون ءالة الذكورية ولا يأكلون ولا يشربون لا يتناكحون ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
مريم لَمّا رأت جبريل عليه السلام متشكِّلاً في صورة شابٍّ أبيض الوجه لم تعرفه ففزعت منه واضطربت وخافت على نفسها منه وقالت ما أخبر الله به: ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً﴾ سورة مريم/18. أي إن كنت تقيا مطيعًا فلا تتعرض لي بسوء.
فقال لها أن الله أرسله إليها ليهبها ولدًا صالحًا طاهرًا من الذنوب. فقالت مريم: أنى يكون لي غلام ولم يقربني زوج ولم أكن فاجرة زانية؟ فأجابها جبريل عليه السلام عن تعجّبها بأنّ خَلْقَ ولد من غير أبٍ سهلٌ هيِّنٌ على الله تعالى، وجعله علامة للناس ودليلاً على كمال قدرته سبحانه وتعالى وليجعله رحمة ونعمة لمن ابتعه وصدّقه وءامن به .
يقول رب العزّة في القرءان العظيم: ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً﴾ سورة مريم 22-23-24-25-26.
نفخ جبريل عليه السلام في جيب درعها فحملت بعيسى عليه السلام ثم تنحت بحملها بعيدًا خوف أن يعيّرها الناس بولادتها من غير زوج، ثم ألجأها وجع الولادة إلى ساق نخلة يابسة وتمنّت الموت خوفًا من أذى الناس، وناداها جبريل من عليه السلام من مكان من تحتها من أسفل الجبل يطمئنها ويخبرها أنّ الله تبارك وتعالى جعل تحتها نهرًا صغيرا ويطلب منها أن تهزّ جذع النخلة ليتساقط عليها الرطب الجنيّ الطريّ وأن تأكل وتشرب مما رزقها الله وأن تقرّ عينها وأن تقول لمن رءاها وسألها عن ولدها إني نذرت للرحمن أن لا أكلّم أحدًا.
أتت السيدة مريم عليها السلام قومها تحمل مولودها عيسى عليه السلام على يدها في بيت لحم. ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً﴾ مريم/27.
قالوا لها: لقد فعلتِ فعلة منكرة عظيمة، ظنوا بها السوء وصاروا يوبخونها ويؤذونها وهي ساكتة لا تجيب لأنها أخبرتهم أنها نذرت للرحمن صومًا، ولما ضاق بها الحال أشارت إلى عيسى عليه السلام. عندها قالوا لها ما أخبر الله به بقوله: ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً﴾ مريم/29 .
عند ذلك أنطق الله تعالى بقدرته سيّدنا عيسى وكان رضيعًا. ﴿قَالَ إِنِِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً﴾ مريم 30-31. اعتراف بالعبودية لله العزيز القهار، هذا أول ما نطق به عليه السلام وهو في المهد قال: ﴿إِنِِّي عَبْدُ اللَّهِ﴾ وقوله: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً﴾ أي جعلني نفاعًا معلّمًا للخير حيثما توجهت.
إخوة الإيمان، يقول الله تعالى في القرءان العظيم: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ سورة الصف/6 .
دعا عيسى قومه إلى الإسلام إلى عبادة الله وحده وعدم الإشراك به شيئًا ولكنهم كذّبوه وحسدوه وقالوا عنه ساحر ولم يؤمن به إلا القليل .
والله نسأل الثبات على دين الأنبياء دين الإسلام العظيم .
هذا وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية: التحذير من قول بعض الناس "يا عبدي إسعَ لأسعى معك"
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى كل رسول أرسله.
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ القدير القائل في محكم كتابه: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ الشورى/11 .
فلما كانت هذه الآية هي أصرح ءاية في القرءان في تنْزيه الله تعالى عن مشابهة خلقه، ولَمّا انتشر التشبيه والكلام الذي مؤدّاه تشبيه لله بخلقه والعياذ بالله كان لا بد من التذكير بها وبما احتوت عليه من المعاني العظيمة. فربنا لا يوصف بأنه جسم ولا بصفات الجسم، ربنا ليس جسمًا كثيفا كالبشر والحجر والشجر، وليس جسمًا لطيفًا كالنور والظلام والهواء، والله لا يوصف بصفات الجسم كالحركة والسكون والاتصال والانفصال "مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك" . أي لا يشبه ذلك.
فاحذروا عباد الله وحذّروا من عبارة يقولها بعض الناس وهي "إسعَ يا عبدي لأسعى معك". العبد هو الذي يسعى، نعم، أما الله تعالى لا يوصف بصفات خلقه. أما من قال هذه الكلمة ولا يفهم منها نسبة الحركة إلى الله، لا يفهم منها أنّ الله يسعى كالبشر بل يفهم منها أنت اعمل في الأسباب أساعدك في الحصول على الرزق فلا يكفر، ولكن طبعًا يُنهى عن هذه الكلمة.
إخوة الإيمان، من الناس من صار ينتظر بشوق سماع الخطبة الثانية ليحذر من مثل هذه العبارات، ومن الناس من يدوّن هذه العبارات للتحذير منها، ومن الناس من يتشهّد لأنه يعرف من نفسه أنه صدر منه ما أخرجه عن دين الله. فجزى الله عنا خيرًا من علّمنا وأرشدنا وحثّنا على وضع هذه العبارات للتحذير منها في الخطبة الثانية .
واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ:﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ اللّـهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾، اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.
م/ن
بالتوفيق
المصدر: منتديات عالم الزين
via منتديات عالم الزين http://ift.tt/2GOGe5s
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire